بقلم: مشاري الذايدي
هذا الصراع الدائم بين فريقي السنة والشيعة في العراق، ليس وليد اليوم، للأسف، له جذور قديمة، ومن العراقيين النبلاء من يقول هذه صراعات مجلوبة لنا من الخارج، خاصة أيام الحروب الصفوية العثمانية المدمرة.
غير أن الإبحار في التاريخ أكثر، يخبرنا عن وقائع دامية بين سنة بغداد وشيعتها، أيام العباسيين، على ما يذكّرنا عالم الاجتماع العراقي الشهير علي الوردي.
من الآثار المادية لهذا النزال الرهيب على أرض العراق، قصة مدفع «أبو خزامة» أو «طوب أبو خزامة» والطوب هو المدفع بلهجة العراق والجزيرة العربية عامة.
يقول المرحوم علي الوردي في كتابه «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث» عن هذا المدفع: «كان السلطان مراد الرابع (دخل بغداد عام 1638) عند مغادرته بغداد قد ترك فيها أحد مدافعه الثقيلة، ليوضع عند باب (القلعة) وقد صار هذا المدفع بنظر العامة من أهل بغداد، ولا سيما السنيّين منهم، شبه مقدس، تنسب له الكرامات وتنسج حوله الأساطير. أطلق أهل بغداد على المدفع اسم (طوب أبو خزامة) ويعزى سبب التسمية لوجود خرق صغير في فوهة المدفع كأنه منخر، وتقول الأساطير الشعبية في تعليل الخرق إن المدفع كان في السماء عند حصار بغداد، وإن الله أمر جبرائيل أن ينزل الأرض لمساعدة السلطان مراد على فتح بغداد، فنزل به جبرائيل يقوده من منخره. وهناك أساطير أخرى يتناقلها أهل بغداد حول هذا المدفع، منها أن الأسماك التسع المنقوشة على جانبيه كانت قد لصقت به عند اجتيازه (بحر القدرة) أثناء نزوله من السماء».
هذه الخرافات حول مدفع السلطان مراد، التي نسجها سنة بغداد دفعت العالم البغدادي السني الإصلاحي الكبير السيد محمود شكري الآلوسي أن يكتب رسالة بعنوان: «القول الأنفع في الردع عن زيارة المدفع».
الواقع أن مثل هذه المزارات والبركات تتجاوز جمهورها الطائفي والديني الخاص، لتفيض على غيرهم، ويخبرنا الكاتب البغدادي، بهذه الصحيفة، خالد القشطيني في مقالة نشرت له عام 2012 التالي: «التبرك بطوب أبو خزامة لم يكن قاصراً على نساء السنة، بل كانت الأمهات الشيعيات أيضاً يجلبن أولادهن للتبرك به».
من تحصيل الحاصل أن نقول إن هذه الأساطير البغدادية السنية حول مدفع السلطان العملاق أبو خزامة، هي تعبير عاطفي عن الكراهية الشديدة للجرائم التي ارتكبها الشاه الصفوي الدموي ضد أهالي بغداد.
لو تحدثنا عن الخرافات السياسية بالجانب الآخر، بالكرخ أو بالكاظمية لوجدنا الكثير، ولكن ليس هذا هو الغرض، بل ما بدأنا به الكلام، وهو هذا الداء العراقي العضال الدائم حول الصراع الطائفي المميت... و«طوب أبو خزامة» كان أحد شواهده المادية... الكثيرة.