بقلم - مشاري الذايدي
صحيح أن الحرب العالمية الأولى حرب أوروبية غربية في المقام الأول، لكنها لم تكتسب صفة العالمية أو الكونية من فراغ، بل بسبب آثارها الرهيبة والمستمرة لليوم؛ نعم لليوم، على كثير من أجزاء العالم، ومن ذلك عالم العرب والمسلمين.
في هذا الشهر؛ نوفمبر (تشرين الثاني)؛ تحديداً في يوم 11 منه، يكون قد انسلخ قرن كامل على سريان الهدنة ونهاية الحرب، من الناحية العسكرية.
ثمة شريط صوتي مجمع من عدة تسجيلات على الجبهة الفرنسية - الألمانية، يوثق الدقائق الأخيرة من الحرب، ويمكن سماع أصوات المدفعية التي جرى تسجيلها على الجبهة الأميركية بالقرب من نهر موزيل، وهو أحد روافد نهر الراين اليسرى، قبل وبعد دقيقة واحدة من انتهاء الحرب.
شريط مؤثر جداً، خصوصاً حين بدأ هدير المدفعية يخبو رويداً رويداً، ثم تسمع تغريد الطيور كأنها لحظة احتفال بنهاية الحرب. والشريط معروض تذكاراً بمعرض «متحف الحرب الإمبراطوري» للذكرى المئوية لنهاية الحرب.
لكن لنتأمل قليلاً آثار هذه الحرب العظمى علينا، ولن أتحدث عن مصائبها على العرب في المجاعات والتجنيد الجبري العثماني «سفربرلك» وتلاعب الإمبراطورية البريطانية بمشاعر وأحلام العرب، وصراع القوى الأوروبية على أرض العرب؛ معركة العلمين بين مصر وليبيا مثالاً... بل نتحدث عن أثر واحد؛ فمن المعلوم أن قادة «جمعية الاتحاد والترقي»، أسقطوا السلطان العثماني الخطير عن «الخلافة» عام 1909 بعد حكم امتد زهاء ثلاثة عقود (1876 - 1909) سخّرها عبد الحميد كلها لترسيخ الدعاية لقداسة منصب الخلافة وتكثيف الدعاية لفكرة الخلافة.
حتى بعد رحيل عبد الحميد ثم رشاد فوحيد فعبد المجيد، ظلت الدعاية الحميدية محركة كبرى لجماعات الخلافة، وكان من مخاضات تلك المرحلة ولادة جماعة الإخوان المسلمين نفسها، حيث احتلت الخلافة ركناً ركيناً في البناء العقائدي للجماعة، وما تناسل منها مثل «القاعدة» و«داعش»... (نتذكر خلافة «داعش»).
الإمبراطورية العثمانية «العليّة» اضمحلت كغيرها من إمبراطوريات ذاك الزمان؛ روسيا والنمسا والمجر، بسبب هذه الحرب، وكانت ثورة الجنرال العثماني «الغازي» مصطفى كمال أتاتورك، لإنقاذ الوطن من الغزاة، وتوّج أتاتورك بطل الترك، بعكس السلطان الهزيل في إسطنبول.
ما زلنا هناك في جبهات الحرب، والأهم، في العقائد والأفكار التي ولدتها الحرب، أو ولدت هي الحرب!
حرب رهيبة قُتل خلالها بالمدافع العادية والرشاشة ما يصل إلى 11 مليون جندي. وتم وضع ما يقرب من 56 مليون مجند في الخدمة العسكرية في جميع الدول المشاركة في الحرب. ودمرت كنائس ومساجد ومشافٍ ومدن وقرى.
هل تستحق الحرب العظمى، لنا عرباً ومسلمين، التذكر والتفحص، بعد قرن من الزمان؟
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع