توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سائح من الشرق الأوسط

  مصر اليوم -

سائح من الشرق الأوسط

بقلم: غسان شربل

أحياناً ينعقد خيط من الود بين غرباء. كان العامل في الفندق لطيفاً. خالني سائحاً يبحث عن منظر خلاب. قال إن ثمة فرصة لا يجوز لزائر إضاعتها. نصحني أن أصعد إلى سطح الفندق لأراقب من هناك غروب الشمس وراء الجبل الصغير الساهر قبالة الميناء. ولأنني جئت في مناسبة شخصية قلت أنصاع لنصيحته. واكتشفت كم كان محقاً. راحت الشمس تنزلق على مهل ثم استحالت كرة خجولة من النار وتوارت. وشعرت لبعض الوقت بلذة أن تكون سائحاً. أن تكتشف وتعاين وتسرق أجمل المشاهد وتخفيها في هاتفك. إنها متعة التواصل مع الجبال والأشجار والمدن التي تغسل أقدامها في المياه الشاسعة. ولازمني شعور عميق أن الصحافي سائح سيئ النية. كلما زار بلداً يروح يسأل عن آلامها بدلاً من التمتع بمباهجها.
تطوع العامل ورافقني في رحلة التحديق في مشهد الغروب. سألني أين أعيش؟ فأجبت في لندن، فرد بابتسامة واسعة كأنني أتحدث عن أرض الأحلام. أبديت إعجابي بجمال البلاد وفاجأني بالقول إن البلاد تبدو جميلة دائماً للغرباء. وكان لا بدَّ من الخوض في الحديث. قال إن الزائرين يدخلون جنوب أفريقيا وفي ذهنهم صورة مشرقة هي صورة نيلسون مانديلا. أشاد بالقائد التاريخي الذي أخرج ملايين المواطنين من عصر مديد من الظلم والظلام على قاعدة التسامح والمصالحة كابحاً الرغبة العميقة في الثأر التي كان يمكن أن تغرق البلاد في انهيار كامل وبحر من الدماء.
لاحظ أن القائد الاستثنائي يأتي ويذهب ويترك الخريطة في عهدة رجال عاديين. رجال يحركهم جوع عميق إلى السلطة وضعف رهيب أمام مغرياتها ومفاسدها. قلت إن البلد حقق تقدماً لافتاً؛ فهو عضو في مجموعة العشرين ولديه بنية تحتية متطورة واقتصاده هو الثاني في القارة السمراء بعد نيجيريا. لم ينكر أن ذلك قائم فعلاً، لكنه لاحظ أن نسبة البطالة تكاد تصل إلى ثلاثين في المائة، وهذا مخيف فعلاً. لفتني إلى أن المشكلة الأكثر خطورة هي الفروقات الهائلة بين المواطنين؛ أي بين الذين ازدادوا ثراء والذين ازدادوا فقراً، ويتكدسون في تجمعات تحتاج إلى كل شيء، ما يرفع نسبة الجريمة والسرقات وانتهاك القانون. وأشار إلى شح في المياه بسبب نقص أمطار في السنوات الأخيرة يضاف إلى انقطاع يومي للكهرباء حتى في مدينة مثل كيب تاون. ولم يكن بوسعي إسداء أي نصيحة، خصوصاً أنني من بلد اعتبرت فيه مشكلة الكهرباء منذ عقود منجماً ذهبياً للفساد والفاسدين.
وشعرت أن المشكلة في جنوب أفريقيا تشبه المشكلة في أنحاء كثيرة، وهي مشكلة بناء الدولة العصرية التي تستند إلى مؤسسات طبيعية راسخة تتسع للمشاركة والتصحيح والتغيير. دولة تستطيع مواجهة الحاضر والاستعداد للمستقبل. دولة تعمل باقتدار لتوفير فرص تعليم عصري لأبنائها يزودهم بمفاتيح الانتماء إلى هذا العالم الذي يعيش على وقع ثورات شبه يومية في العلوم والتكنولوجيا. دولة توفر فرص العمل وتنقذ أبناءها من خطر ارتكاب حلم القفز إلى زوارق الموت لإلقاء أنفسهم في بلاد غريبة. شعرت بامتنان عميق لهذا العامل اللطيف وسألته ماذا أستطيع أن أفعل له فكان جوابه: «ليتك تأخذني معك إلى لندن. المستقبل غامض هنا. أشعر أن العيش هناك أقل صعوبة وخطورة».
أوجعني كلام الرجل خصوصاً أن بلاده تنام على ثروات منجمية كبرى. وفكرت ما عساه يقول من ينتمي إلى بلاد تبخل أرضها بالمعادن وسماؤها بالأمطار. وتذكرت موقفاً مماثلاً في الخرطوم قبل سنوات. قبيل مغادرتي سألني عامل الفندق إن كان باستطاعتي أن أؤدي له خدمة لا ينساها. وحين استفسرت أجاب أنه يحلم بالهروب من بلاده، وأنه سمع أن بريطانيا رحبة وتتسع للوافدين. إنها بلداننا وهي في النهاية سجوننا نتحين فرصة الفرار منها كي لا نسلم أطفالنا للفاشلين والفاسدين.
الصحافي سائح سيئ. لم تدم متعة مشهد الغروب طويلاً خصوصاً بعدما باح عامل الفندق بطموحاته. كان لا بدَّ من العودة إلى الهاتف. إلى لعنة إقليم الشرق الأوسط والأخبار الوافدة منه.
خبر مفرح أن تعلن هزيمة «داعش» وأن يشطب من الخريطة التي تحصَّنَ فيها. لكن السؤال الأهم هو: هل تعلمنا من التجربة المريرة والطويلة؟ أم أن السياسات التي أنجبت هذا التنظيم الرهيب ستتسبب في إنتاج وريث له أشد خطورة وهولاً؟ ثم إنه لا يمكن إنكار أن «داعش» ترك بصماته على المسرح الذي استباحه قبل سنوات وتسبب في تكريس ظاهرة الميليشيات و«الجيوش الصغيرة الجوالة» التي اغتنمت فرصة محاربة «داعش» للتحول جيوشاً موازية دائمة.
لا يبتعد الشرق الأوسط عنك مهما ابتعدت عنه. الولادة في ذلك الجزء من العالم تمهرك بقلق لا ينام حتى لو حاولت ارتداء روح السائح والتمتع بمشهد الغروب في بلاد مانديلا. خبر كبير آخر. إعلان الرئيس دونالد ترمب أن بلاده قررت الاعتراف بـ«السيادة الإسرائيلية» على الجولان.
والخبر يعني بالتأكيد تغييراً كبيراً في السياسة الأميركية حيال هذا الملف الذي حاولت واشنطن على مدار عقود لعب دور الوسيط فيه. لهذا القرار أثمانه وانعكاساته بالنسبة إلى النزاع المتجذر في المنطقة، وله تبعاته بالنسبة إلى القفز فوق قرارات الشرعية الدولية.
لا يبتعد الشرق الأوسط عنك مهما ابتعدت عنه. ثم إن الصحافي سائح سيئ أصلاً فهو صياد أوجاع لا صياد مشاهد خلابة، ولا يكفي الغروب الرائع لإخراجه من سيطرة الأخبار المؤلمة.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سائح من الشرق الأوسط سائح من الشرق الأوسط



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon