بقلم : سلمان الدوسري
بعد نحو 18 شهراً من المقاطعة الرباعية لقطر، ها هي الأزمة تغدو وكأنها أمر هامشي لا ذكر له، ربما تمر وكأنها سطر في الأخبار كل أسبوع، أو إجابة في مؤتمر صحافي هامشي لسؤال من مراسل صحافي أرسلته قطر خصيصاً لذلك، أو حتى محاولة مستميتة من حلفاء الدوحة في أنقرة وطهران لإحياء العظام وهي رميم، أما غير ذلك فلا أحد يذكر أن هناك أزمة، باستثناء النظام القطري الذي يعتبرها أزمته الوجودية، ومعه الحق في ذلك، حيث واصلت الدولة القطرية بأكملها، بحكومتها وأميرها ومؤسساتها، وريالها طبعاً، محاولتهم المستميتة لعدم دخول أزمتهم غياهب النسيان. طوال فترة العام ونصف العام تلك لا هم لهم إلا هذه الأزمة، ولا يشغلهم إلا الدوران حول الكرة الأرضية لاستجداء الدول، واليوم تلو الآخر تثبت النظرية التي تماشى معها العالم بأسره؛ أن هذه الأزمة قطرية بامتياز وليست خليجية كما تستميت قطر لترويجها، ومن الطبيعي أن من لديه أزمة يكون هو المعني بحلها وليس غيره.
ربما كل أولئك الذين توقعوا أن الأزمة طارئة أو مؤقتة أو مسألة أشهر، وأولهم القابعون في الدوحة، أعادوا حساباتهم وغيروا قناعاتهم، بأن المشكلة أكثر تعقيداً من إعادة المياه لمجاريها على طريقة عفا الله عما سلف. لم تعد هذه القاعدة ممكنة سياسياً في المرحلة الحالية، إما أن تتغير الاستراتيجية التي بني عليها نظام حمد بن خليفة، وإما أن الأزمة ستستمر طويلاً لأعوام طويلة ما زلنا في بداياتها. صحيح أن الضغوط أثمرت تغييراً طفيفاً وتنازلات قطرية في تعاطيها مع الجماعات الإرهابية، بعد أن أصبحت عيون الاستخبارات الغربية وأنظارها مسلطة على كل حركات النظام القطري وسكناته، إلا أن المشوار لا يزال طويلاً حتى تفي الدوحة بكل الالتزامات المفروضة عليها، وبالتالي فإن أي حلول لأزمة قطر لا تلوح في الأفق، حتى غدت كل المعركة القطرية محصورة في مفهوم أن الأزمة خليجية وليست قطرية، لإثبات أن هناك من يشاركها المعاناة وأنها ليست وحيدة في ذلك.
مع استمرار قطر في أزمتها الوجودية، ونسيان العالم لها وتعايشه مع وضعها بعد المقاطعة، فإن الاستراتيجية التي تعتمد عليها الدوحة غدت محصورة فقط في البحث عن أي قضايا داخلية في الدول الأربع لتضخيمها واستغلالها إعلامياً والإنفاق على جماعات الضغط لتحريكها، وهي تفعل ذلك وبقوة ولا تتوقف رغبة في إعطاء الانطباع للشارع القطري بأن هناك قضايا ضخمة في تلك الدول، وليس القطريون الوحيدين الذين يعانون من أزمة المقاطعة، ولذلك تعتقد الدوحة أن في إثارة أزمات جيرانها إعلامياً ما يضمن استمرار إعطاء الانطباع أن هناك أزمات أخرى شبيهة بأزمتها لدى الآخرين. بالطبع تغفل قطر أن كل دول العالم تمر بأزمات وتنتهي منها إلا أزمتها، فهي الوحيدة المستمرة والباقية والتي لم تتحرك ولو قليلاً. فعلاً كما قال الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية البحرين «إنها ليست أزمتنا، بل هي أزمة قطر. فلا حاجة لوسيط يحلها، بل الحاجة في قطر لرشيد من أهلها».
في الدول الأربع المقاطعة أصبحت الأزمة القطرية فعلاً من الماضي، تعايش الجميع معها، نسوا أن هناك دولة مقاطعة أصلاً، مشوا في طريقهم ولم يتلفتوا إلى الخلف. بالمقابل ماذا عن قطر؟! تدعي وتزعم وتغني بأن حالها أفضل بعد المقاطعة، وفي الوقت نفسه ترسل الوزراء وتستجدي الوسطاء وتفرح بمشاركتها في القمة الخليجية، لمجرد عدم إغفال أزمتها والقول: أنا هنا. هكذا هي قطر كما عرفناها دائماً تعيش وسط تناقضاتها، وهكذا نسي العالم أزمتها بينما تقبع وحيدة معزولة لا يتذكرها أحد.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع