توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفيضانات والملالي وسندريلا

  مصر اليوم -

الفيضانات والملالي وسندريلا

بقلم - أمير طاهري

ربما يستغرق الأمر أسابيع، إن لم يكن شهوراً، قبل أن تتكشف كامل الحقائق بخصوص الفيضانات التي تجتاح مختلف أرجاء إيران. ومع هذا، فإننا نعلم بالفعل أن الفيضانات الحالية تشكّل واحدة من كبرى الكوارث الطبيعية التي عانتها إيران على امتداد نصف قرن.
وتبعاً للبيانات الأولية الصادرة عن منظمة الصليب الأحمر، ضربت الفيضانات ما يزيد على 300 مدينة داخل 22 محافظة من إجمالي 31 محافظة إيرانية، ما تسبب في تضرر 18.5 مليون شخص يمثلون قرابة ربع إجمالي السكان. وأصبح 1.2 مليون شخص مشردين، على الأقل بصورة مؤقتة.
ولا تقل الأضرار التي أصابت البنية التحتية للبلاد فداحةً، ذلك أن حالةً من الفيضان تسود 141 نهراً ووقعت 500 حالة انزلاق أرضي على امتداد مساحة 3.000 كيلومتر من الطرق العادية والسريعة تربط آلاف القرى، إضافة إلى تعرض 78 مدينة متوسطة أو كبيرة الحجم لتدمير جزئي أو كلي.
كما تشمل قائمة الأضرار 87 جسراً و160 سداً وما يزيد على 1000 كيلومتر من خطوط السكك الحديدية. أيضاً، تسببت الفيضانات في تعطيل أكثر عن 18 ألف مصنع وورشة، بينما تصف التقديرات الأضرار التي أصابت قطاع الزراعة بأنها «لا تقدَّر بثمن».
ومن منظور أوسع، ربما كشفت هذه الكارثة الطبيعية النقاب عن بعض أوجه الضعف الجوهرية في نظام يعاني خللاً وظيفياً، وكرّس الجزء الأساسي من موارده وكثيراً من طاقته للترويج لآيديولوجيا غريبة، ويبدو عاجزاً عن التكيف مع المهام الأساسية لأي دولة قومية طبيعية.
اللافت أن الأمر استغرق من السلطات الموازية القائمة في طهران أكثر عن 48 ساعة كي تدرك حقيقة ما يجري وإعطاء وسائل الإعلام الرسمية الضوء الأخضر للحديث عنه.
بعد ذلك، استغرق الأمر يومين آخرين قبل أن تقرر أذرع الدولة الكثيرة مَن يُفترض منه الاضطلاع بماذا. أما الرئيس حسن روحاني الذي كان يقضي عطلة لمدة أسبوع في منتجع بجزيرة قيشم، فبدا من المتعذر الوصول إليه، في الوقت الذي كان المرشد آية الله علي خامنئي مشغولاً للغاية في تجمع شعري وظل غير متاح لعدة أيام، بل ووجد الأمر لا يستحق عناء إصدار تعليق بشأنه.
من جهته، وجد «الحرس الثوري»، الذي غالباً ما يتفاخر بفتوحاته الوهمية في العراق وسوريا ولبنان واليمن ويعد برفع لواء الخمينية في واشنطن، نفسه مضطراً إلى التدخل ليس لإنقاذ المواطنين المتضررين، وإنما لحماية بعض عناصر البنية التحتية التي بناها ويديرها كمشروعات تجارية.
وسرعان ما اتضح أن تلك البنى التحتية، بما في ذلك خطوط السكك الحديدية التي بُنيت في مسارات طبيعية للسيول وسدود جرى تشييدها بسرعة في أماكن خاطئة وعلى أنهار خاطئة، أسهمت في تفاقم كارثة الفيضانات.
كان الحرس الثوري قد بني ما يزيد على 300 سد لتحويل مسار مياه العديد من الأنهار باتجاه أراضٍ استولى عليها ونقل ملكيتها إلى ضباط حاليين أو متقاعدين.
وفي استراتيجية تحمل أصداء التشافيزية في فنزويلا، ساعد «الحرس الثوري» كذلك الكثير من المزارعين الذين يجري النظر إليهم باعتبارهم جزءاً من قاعدة تأييد النظام، على القضاء على مساحات واسعة من الغابات، ما تسبب في تفاقم مخاطر الفيضانات. 
وبعد أكثر من أسبوع على وقوع الكارثة، وباستخدام كلمات مبهمة بعض الشيء، ألقى روحاني باللوم على المشروعات «الاجتماعية» التي شيدها «الحرس الثوري» ونشاطات التربح التي خاضها. ورد قائد «الحرس الثوري» الجنرال محمد علي عزيز جعفري، على ذلك باتهام حكومة روحاني بالافتقار إلى الكفاءة والمهارات القيادية المناسبة. 
وكان من شأن إخفاق الحكومة الرسمية بقيادة روحاني والأخرى غير الرسمية بقيادة الجنرال جعفري، وكلتاهما تحت قيادة خامنئي، نظرياً على الأقل، إفساح المجال أمام عناصر أخرى للقفز إلى داخل المشهد.
كان أول مَن فعل ذلك الجيش الوطني الذي منذ سيطرة الملالي على السلطة عام 1979، جرى التعامل معه على نحو أشبه بسندريلا. وتابع الإيرانيون في انبهار فرقاً خاصة من الجيش النظامي تتحرك لإنقاذ الأرواح والحيلولة دون تقدم الفيضانات نحو مساحات أكبر، وإعادة فتح الطرق، بل والشروع في إصلاح بعض المنشآت المتضررة. وشجع وجود وحدات من الجيش النظامي آلاف المتطوعين على التدفق على المناطق المنكوبة للمعاونة في التصدي للكارثة. ويصف الكثيرون بمختلف أرجاء البلاد روح التضامن التي أبداها المواطنون العاديون بأنها شكّلت «نموذجاً يُضرَب به المثل»، في إشارة ضمنية إلى أن إيران تستحق حكومة أفضل. 
من جهته، استجاب «الحرس الثوري» لذلك عبر نشر العشرات من «المداحين» الذين يلقون أناشيد دينية ويعتبرون خامنئي الأب الروحي لهم. وقفز «المداحون» في مياه الفيضانات وهم ينشدون «المعاناة تجعلنا أقوياء!» و«لا نخشى الموت»، بينما يضربون صدورهم بأيديهم مثلما يفعلون لدى إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين في شهر محرّم.
وفي بعض الأماكن، رافقتهم سيدات ممن يشاركن في جلسات العزاء في محرّم وينخرطن في الندب والبكاء.
علاوةً على ذلك، دخلت الحكومات المتوازية في جدال حول ما إذا كان ينبغي طلب مساعدة أجنبية. وفي الوقت الذي انتظرت وزارة الخارجية التعليمات فيما يخص التواصل مع منظمة «الصليب الأحمر» ووكالات الإغاثة الأخرى، قررت وزارة الخارجية غير الرسمية التي يوجد مقرها في مكتب خامنئي أن «من يعرفون كيفية إظهار الحداد على الحسين» ليسوا بحاجة إلى إذلال أنفسهم عبر التسول من «عبدة الصليب والصهاينة».
جدير بالذكر أنه في خضمّ كارثة زلزال بام عام 2003، سارع أكثر من 60 دولة لمعاونة إيران على التصدي للكارثة. في ذلك الوقت، رحبت الحكومة الواجهة آنذاك بقيادة الرئيس محمد خاتمي، بالمساعدات الأجنبية، الأمر الذي أغضب المرشد خامنئي الذي تساءل: «كيف يمكن أن نذلّ الإسلام أمام الكفار؟».
إلا أنه هذه المرة، لم تجرؤ حكومة الواجهة بقيادة روحاني على تحدي المرشد. من جانبه، صرح المساعد الأول لروحاني إسحاق جهانغيري بأن «دولة في ثراء الجمهورية الإسلامية ليست بحاجة إلى مساعدات أجنبية».
ومع هذا، ألقى محمد جواد ظريف، الذي كان يتولى دور وزير الخارجية، باللوم على الولايات المتحدة عن نقص المساعدات الأجنبية وعدم إظهارها ولو حتى التعاطف.
وقال المتحدث الرسمي باسم ظريف، الاثنين الماضي: «تمنع العقوبات الأميركية وصول المساعدات لإيران». ويأتي ذلك على الرغم من أن الجميع يعرفون أن المساعدات الإنسانية والطعام والدواء ومواد تجارية أخرى ليس لها استخدام عسكري محتمَل، لا تندرج تحت مظلة العقوبات التي تفرضها أيٌّ من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة.
على أي حال، ليست هناك عقوبات ضد زعيم أجنبي مثل الرئيس فلاديمير بوتين تمنعه من الاتصال هاتفياً بمسؤول في طهران ليعرب عن تعازيه وتعاطفه. إلا أن المشكلة تكمن في أن بوتين لن يدري مَن يتعين عليه الحديث إليه في طهران: روحاني، الملا الذي يلعب دور الرئيس، أم خامنئي الذي ربما يشعر بالإهانة إذا أخبره بوتين أن ثمة «كارثة» تعصف بجنته «الإسلامية»؟
 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

 

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفيضانات والملالي وسندريلا الفيضانات والملالي وسندريلا



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon