توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الـكهف

  مصر اليوم -

الـكهف

بقلم - بسمة عبد العزيز

كتبت صديقةٌ عزيزةٌ على صفحتها بفيس بوك، عبارةً قصيرةً، تعلن فيها أنها مُتيقّنة مِن وجود سببٍ أو ربما أسباب؛ تشرح سلوكها الغريب. سلوكٌ تلقائيٌّ عابر، قد يمر دون أن يتوقف فاعلُه أمامه؛ لكنها راقبت نفسَها تقوم به، ويبدو أنها اندهشت له، وشعرت أنه لا ينتمي إليها، ولا يدخل ضِمن طباعِها المُعتادة. قالت: ”هو أكيد في تفسير لقعادي في العربية تحت البيت بتاع ١٠ دقايق قبل ما أقرر أطلع“. جاءت ردود تطمئنها وتخفِّف عنها، وأخرى تمزح معها، وثالثةٌ تقرر أن الأمر بات ”عاديًا“، وأنه ”مرضٌ منتشر“ بين كثيرين.

***

سمعت مِن بعض الأصدقاء؛ كيف يستقلون عرباتهم، فيطوفون بها دون داعٍ، وبلا هدف مُحدَّد، لفترات قد تمتد أحيانًا وتطول. يفضلون المكوث في العربة عن الخروج منها، لا علاقة للطقس باحتمائهم بها، ولا ضرورة بعينها تدعوهم إلى الإقامة أمام عجلة قيادتها. يرجون أن يطول الطريق فيصبح بلا نهاية، وتحبطهم فكرة العودة إلى بيتٍ، أو مَحَلَّ عَمَلٍ، أو حتى الجلوس على مَقهى. يستريحون إلى الحركة المتواصلة الدؤوبة، ويتوترون عند التوقف عنها. هل يستدعي التوقُّفُ أفكارًا بعينها؟ هل يتيح للتساؤلات المؤرقة أن تهاجم أصحابَها، ما كَفَّت العجلات عن الدوران؟

***

أَنصَتّ مراتٍ لآخرين، يتحدثون عن الجلوس داخل العربة دون مغادرة المكان. تقول واحدة مِن الصديقات؛ بمجرد أن أغلق باب العربة المركونة أسفل المنزل، ذاهبة إلى عملي، أو إلى أي مكان آخر، أتجمد وتضيع إرادتي. أدسّ المفتاح وأظل ساكنة؛ لا أدير المُحرِّك ولا أصنع شيئًا، وكأن شللا قد أصاب نفسي وأعجزها عن أداء ذلك الفعل البسيط، ولولا تَوَجُّس حارس العقار مِنّي لقضيت اليوم على هذه الحال. الأمر نفسه أكرره حين أصل المكان المرغوب. أطفئ المحرك وألبث في سكون، لا أفتح الباب ولا تبدر مني حركةٌ واحدةٌ تعكس كثرة همومي وأشغالي، أو توحي على الأقل بأنني لا أزال على قيد الحياة. العربة هي الكهف الذي يعزلني عن مؤثرات؛ صارت من السخافة والإلحاح بمكان، حتى تحول الهروب منها إلى راحة عظيمة، ولو في صندوق مَحدود المساحة؛ لا يسمح بالتمدُّد ولا يعطي للجسمِ راحتَه، ألوذ بعربتي ولا أحب مفارقتها.

***

طرحت صديقتي صاحبة المنشور الفُسبوكيّ، عددًا مِن الأسئلة، دارت بذهنها وهي قابعة في العربة؛ أسئلة مِن قبيل؛ ما الذي دفعها منذ البداية لتركِ البيت والذهابِ إلى العمل؟ وما الذي يحدثُ إن هي قررت المُكوثَ مَكانها؟ وما إذا كانت هناك وسيلة تنقلها رأسًا إلى بيتها، دون أن تضطر إلى الخروج مِن العربة؟! قُوبِلَت أسئلتُها بأخرى مُتباينة، وبتعبيراتٍ ضاحكةٍ خفيفة من المُشاركين. وَجَدت في جميعها ما يستَحِّثُ التفكيرَ، ورأيتها تُبطِن ما هو أبعد مِن وصلةِ هزلٍ وتنكيت. مَشقّةُ الخروج مِن الصومعةِ هي الأعظم، وصعوبةُ تركِ لحظات الهدوء القليلة هي الأقسى، إعطاءُ الأمرَ للعضلاتِ بالتقلُّصِ والانقباضِ ثم الانبساط، باعثٌ على الكلل والسأم والضيق، أما عن جدوى مُمارسة الحياة بمفرداتها واختياراتها الكثيرة؛ فحديثٌ يطول، خاصة حين يطرحه مَن لم يبارحوا بعد سني الشباب.

***

مع توالي الاعترافات، اكتشفت أن هذا العَرَضَ الذي أصابني منذ أسابيع خَلَت، ولازمني حتى الآن، ما هو إلا جزءٌ مِن وباء عام. تصورت أنني وحدي أنتهز الفرصةَ؛ فأتوقف بجوار الشجرة أسفل بيتي، أنفرد بذاتي بُرهة مِن الزمن لا يخترقها أحد، وأنخرط في صمتٍ وسلامٍ مَفقودين، فإذا بي أكتشف أن العربةَ - لمن يملكون في هذه الأيام عربة- صارت ملجأ وملاذًا، استحالت كهفًا، يمكن الخلود إليه للوقاية مِن مُنغِّصاتٍ تُطارد الجميع. العربةُ مَهربٌ مَعقولٌ ومَقبولٌ؛ لا يتطلَّب جهدًا، ولا حجزًا مُسبقًا، ولا مالًا وفيرًا. مساحةٌ خاصةٌ، تحمينا مَجازًا مِن مواجهات لا نريدها، ومِن مُبادرات لا نتخذها، ومِن مناوشات قد يتوجب علينا أن نخوضَها؛ لكنا لا نرغب ولا نملك طاقةً تكفيها. العربة الآن بمنزلة حِصنٍ جديد - قديم، هيكل مُغلق، يوفر لنا أمانًا مَعنويًا؛ لكنه للأسف لحظيٌّ.

***

غدت علاقتي بالعربة أكثر حميمية مِن ذي قبل، وأظن مثلي صديقات وأصدقاء كُثر. ربما أصبحت حالنا معها أشبه ببيات مُؤقت؛ لا يرتبط بموسم شتويّ أو صيفيّ، بل بمناخ سياسيّ واجتماعيّ، ينعكس على ذواتنا المرهقة، فيقعدها ويدفعها إلى طلب الهُدنة، ويحضُّ أجسامَنا على العصيان، ويغوينا بالكُمُون.

نقلا عن الشروق القاهريه

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الـكهف الـكهف



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon