توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كنديّ.. تركيّ.. أردنيّ؛ لا مصريّ

  مصر اليوم -

كنديّ تركيّ أردنيّ؛ لا مصريّ

بقلم : بسمة عبد العزيز

 كانت تلك هي المرة الأولى التي أسمع فيها عن سعي الأممِ المُتحدة، لاستبعاد اللغة العربية مِن بين لغاتها المُعتَمَدة. قال المتحدثُ العربيّ، إن المَسعى قد يُكَلَّل بالنجاح ويتحول إلى واقع مرير، بفضل إخفاقاتِ الناطقين بالعربية في إظهار أهميتها للآخرين. الحُجَجُ التي تتردد تبريرًا لقرار الإعدام الوشيك كثيرةٌ مُتنوِّعة، وهي لشديد الأسفِ مَنطقية لا عيب فيها ولا ادعاء؛ منها هَجر مَندوبي الدول العربية لغتَهم، واستخدام لغات أجنبية في مُداخلاتِهم وحواراتِهم؛ بين أروقةِ الأُمم المُتحدة وحجراتها وفي مُختلَف المُنظمات التابعة لها. ينطقون بالإنجليزية، يوافقون أو يعترضون بالفرنسية، بينما تقبع العربيةُ في ركن قصيّ مِن ذاكرتهم الجَمعية؛ لغةٌ لم تعد مُتوقِّدة في الأذهان، ولا حاضرةً على الألسنة.

هي الدورةُ الرابعة والثمانون مِن مُؤتمر مَجمَع اللغةُ العربية الذي ينعقد سنويًا في القاهرة، فيناقش حالَ اللغة وما صار مِن أمرها، يُعدِّد شواهدَ ضَعفها، ويعرضُ المُنحدرات الجديدة التي انزلقت إليها. يسرد في نقاط مُحكَمة أسبابَ هوانها، ويصفُ عِلاج الداء الذي أصابنافأصابها، يستحثُّ الهِمَمَ، حتى ليظنُّ السامعُ أنَّ في الصباح الباكر يُجبَر ما انكسر منها ومنا، لما يلمح مِن أمارات استنكارٍ واستياءٍ، واهتزازِ رؤوسٍ رافضة، وزمِّ شفاهٍ غاضبة. إيماءاتٌ تعكس الحسرةَ مرات وبعضًا مِن الامتعاض؛ تظهر على الحاضرين، وحين ينتهي المُحاضِر مِن عرض أفكاره؛ إذا بالسامر ينفض، وبالكلمات الثقيلة تخفُّ وتتلاشى في الفضاء العريض. يعود الجالسون إلى مُزاولة حيواتهم العادية، ويرجع كل شيء إلى ما كان عليه قبل انعقاد المؤتمر، وقد خبت إرادة الفعل والتغيير، خاصة عند مَن بيدهم الأمر مِن المسئولين. هي عاداتنا الراسخة؛ الإسرافُ حديثًا والتقاعسُ عَملًا.

قرأت خبرًا صغيرًا عن قيام رجال الشرطة بإزالة اللافتات المكتوبة باللغة العربية جميعها؛ إذ تشوه المنظرَ العام. غَضَضّت النظرَ عما أُكن للعربية مِن إعزاز، فقد سرَّني الكلامُ وأبهجني الفعلُ مُجرَّدةً مِن الميول والأهواء؛ لم تقع الواقعة في مصر بل كانت تركيا؛ فقد أصدرت هيئةُ المعايير هناك، قانونًا يُجَرم وضعَ لافتات تحملُ كلمات أجنبية؛ عربية كانت أو بأي لغة أخرى، وقد دخل القانون حيّزَ التطبيق ووجد مَن يتحمس له وينفذه، ويعطي اللغةَ الأم في وطنها سيادة وكرامة، وينأى بها عن اللغات الأخرى التي تزاحمها.

وصَفَ رئيسُ هيئة المعايير التركية العبارات والإعلانات المكتوبة بلغة أخرى، بأنها مَحض تلوث بصريّ. في المؤتمر الذي حضرت يومه الثاني بالمجمع المصريّ، تحدث أحد الأساتذة مِن بلاد الشام عن التلوث اللغويّ؛ المتمثل بدوره في استخدام ”الفرانكوأرابيا“؛ الكلمات الأجنبية التي تستخدم حروفًا عربية أو ربما العكس؛ فالتشوه واحدٌ.
***

تذكرت فجأة قانونَ حماية اللغة العربية المصري؛ ذاك الذي ظهر إلى الوجود منذ بضعة أشهر، ليستقبله مجلسُ الوزراء وتناقشه وزارةُ العدل، ثم إذا به يختفي مُذ ذاك الحين، فلا يُسمَع عنه خيرٌ ولا شرٌّ، حتى يكاد النسيانُ يطويه. تذكَّرته وأنا أُمسِك في يدي كُتيبًا صغيرًا يحوي قانونَ حماية اللغة العربية، الصادر في المملكة الأردنية الهاشمية منذ ثلاثة أعوام؛ أي في العام ألفين وخمسة عشر، ليشترط عند تعيين المُعلّمين في المدارس، والأساتذة في الجامعات، والمُذيعين والمُحررين في مُؤسسات الإعلام؛ اجتيازَ امتحان ”الكفاية“ في اللغة العربية، ثم ليحظُر مِن اللافتات والإعلانات والمطويات وأشباهها، ما لا يحوي كتابة عربية؛ أكبر حجمًا وأبرز مكانًا مِن أية لغة أجنبية مُستخدَمة فيها.

ليست تركيا وحدها ولا الأردن، ليست العربية فقط ولا التركية العثمانية. كَتَبت مِن قبل عن مُقاطعة ”كيبك“ الكندية التي تكتب الفرنسية، وتتحدثها دونًا عن المقاطعات الأخرى، وعن القانون الذي استنَّته حماية للسانها وتراثها وشخصيتها، ألمانيا كذلك دلوة تعتز بلغتها وتبذلُ الجهدَ لصيانتها، أما مَن ينطقون العربيةَ؛ فيسيئون إليها تارة عن تعالٍ، وتارة عن جهلٍ، وتارة ثالثةٍ عن اجتماع المصلحة الاقتصادية مع السلطة السياسية؛ بما يجعل أمر الحفاظ على اللغة من طغيان لغات بلدان أخرى؛ مكروهًا لا يستحب تداوله أو السعي إلى تحقيقه.

إن تحبذ السلطة إصدار تشريع ما، لا يقف أمامها شيء، وإن ترفض تمريره واعتماده، يصبح في خبر كان؛ ولو عظمت قيمته وعلا شأنه. في الصباح أو المساء، ونحن صحو أو نيام، تُلقى فوق أدمغتنا قوانين وقرارات؛ لا يستغرق العمل عليها سنوات، ولا تستلزم شهورًا من المداولات، ولا تتآكل أوراقها في أدراج المسئولين.

نقلاً عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كنديّ تركيّ أردنيّ؛ لا مصريّ كنديّ تركيّ أردنيّ؛ لا مصريّ



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon