بقلم : عبد الناصر سلامة
أكثر من مرة توقفتُ، كما نبهنى أيضاً الكثير من القرّاء، إلى ما يسمى اتحاد القبائل العربية بالفيوم، اتحاد القبائل العربية بأسوان، اتحاد القبائل العربية المصرية، اتحاد القبائل والعوائل والأعيان فى البلاد العربية، إلى غير ذلك من أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، جميعها تؤكد أن هناك أمراً ما لا يتناسب مع الدستور، الذى نص على المساواة، ولا مع الدين، الذى نص على ألا فرق بين عربى وأعجمى إلا بالتقوى، ولا مع الحالة الراهنة التى تعيشها البلاد، بل والمنطقة ككل، والتى كان محورها أولاً وأخيراً الطوائف والمذاهب والعرقيات والقبائل، وجميعها أيضاً فى حاجة إلى إعادة نظر، إذا وضعنا فى الاعتبار قول الله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمْ) كل بنى آدم.
لا أدرى لماذا القبائل العربية تحديداً، هناك فى مصر قبائل تركية، قبائل أفريقية، قبائل مغربية، قبائل نوبية، أصول فارسية، أصول أوروبية، أصول شركسية، وقبل كل هذا وذاك أصول فرعونية، جميعهم من ذوى الحسب والنسب، جميعهم مواطنون صالحون، جميعهم شرفاء وأشراف، لم يحاول أى منهم اللجوء إلى مثل تلك القسمة الضيزى، ذلك أن قبائل العرب فى حد ذاتها، مع احترامنا للجميع، لم يثبت ذات يوم أنها تميزت على أى من الأجناس الأخرى من قريب أو بعيد، وإلا لكان حال العرب، كل العرب، أفضل من ذلك الآن، ما بالنا وقد أصبحوا فى ذيل قائمة الأمم.
المخاوف التى يبديها البعض تتعلق بالمستقبل، ولنا العبرة فى كثير من البقاع داخل مصر وخارجها، نحن أمام بذور للفتنة ما كان يجب أن تكون، سوف نفاجأ مستقبلاً بأننا أمام مرشح رئاسى للقبائل العربية، بالتالى سوف يكون هناك مرشح للقبائل النوبية، ثم القبائل السيناوية، وقد تستعر النعرة التركية هى الأخرى، فى الوقت الذى سوف يبدأ فيه كل مواطن البحث عن أى من القبائل ينتمى، ربما نعثر على القبيلة الأصل، وهى القبيلة الفرعونية، التى سوف يكون لها الأولوية فى حكم البلاد والعباد، باعتبار أنهم أصحاب الأرض الأصليون، وحين ذلك لن يضاهيها أحد.
الغريب أن هذه النعرة بدأت منذ سنوات، وها هى آخذة فى التمدد، دون أدنى رادع، هل لأنهم يشعرون بالغربة فى مصر، هل لأنهم يشعرون بأنهم جنس سامى عن بقية الأجناس، هل هى الدونية أو شعور الأقليات، بالتأكيد الأمر يحتاج إلى تفسير، حتى ما يُطلق عليهم الأشراف فى حاجة إلى إعادة نظر، بعد أن شابها التزييف فى الآونة الأخيرة بصفة خاصة، ما دامت العملية فى مجملها قد تحولت إلى أداة ضغط على المجتمع تارة، والمجاملات تارة أخرى.
إذا كان البعض يسعى إلى تأكيد الانتماء لهذه العائلة أو تلك القبيلة، فهو أمر محبب، إلا أن ذلك يجب أن يكون داخل هذا الإطار فقط، للتزاور والتشاور والتعارف والنسب والمصاهرة، أما أن يتعداه إلى إنشاء جمعيات واتحادات وائتلافات رسمية معترف بها من الدولة، فهو أمر خطير يجب التنبه إليه، قد يتطلب فى المستقبل مطالب بالحصول على حصص برلمانية، أو حصص وظيفية، أو حتى حصص تموينية!!، طبقاً لسطوة كل قبيلة أو مدى فاعليتها فى العمل السياسى، ما دمنا قد سمحنا بإقامة سرادقات تحمل هذه الأسماء، لمناصرة هذا المرشح أو ذاك، فى صورة عوامل ضغط واضحة، وفواتير ليست مؤجلة السداد.
الأمر الآخر والأكثر أهمية هو أن المائة مليون مصرى يعيشون تحت سقف جمهورية مصر (العربية) وهو ما يجعل من كل المصريين عرباً دون تمييز، أما وإذا كان الأمر غير ذلك، فلنعود إلى أصل الدولة المصرية الفرعونية، حتى يكون من حق كل من لا يرغب فى البقاء العودة إلى جذوره وسيرته الأولى، إذا وافقت قبائله فى الخارج على استرداده، باعتباره كان وديعة لدى الدولة الفرعونية التى تحملته كل هذه السنوات أو القرون.
لقد مضى على الوجود العربى فى مصر أكثر من ١٤٠٠ عام، أى منذ الفتح الإسلامى، ما الذى يجعل البعض لا يشعر بالمواطنة المصرية حتى الآن، أو فى هذه الآونة تحديداً، وما الذى يجعل البعض يشعر أنه ينتمى إلى عالم مغاير لذلك الذى يعيش فيه، وما الذى يجعل البعض يشعر أنه أعلى أو أدنى من الآخرين، بالتأكيد هى ظاهرة غير صحية، وغير وطنية، وغير دستورية، محورها الهرج والمرج الذى تعيشه الأمة المصرية دون رابط ودون ضابط، ذلك أن أى أقلية فى أى وطن تسعى إلى الاندماج والانصهار وليس العكس، أما أن يحاول البعض القفز إلى مرتبة يرى فيها أنه بذلك سوف يكون أرفع مقاماً من الآخرين، فهو أمر غير محبب، بل ومكروه، ويجب تجريمه.
هناك العديد من المجتمعات حولنا تعيش فيها الطائفية والقبلية والعرقية كالنار تحت الرماد بحكم بداوتها، وهناك مجتمعات خرجت فيها هذه الظواهر على السطح فى صورة نيران ومواجهات حامية الوطيس، لم تكن مصر ذات يوم لا من هؤلاء ولا هؤلاء، ولا يجب أن تكون كذلك، فى الوقت الذى أصبح فيه العرب تحديداً مثار تندر الأمم، أى أن التوقيت فى حد ذاته ليس مناسباً لمثل هذا الهراء، ولن يكون مناسباً ذات يوم، فى ظل ما نشأ عليه الطفل المصرى من تربية وطنية حقيقية، محورها مصر أولاً وأخيراً، فى العهدين الملكى والجمهورى على السواء، أما أن يرى البعض أننا فى مرحلة شبه الدولة، أو مرحلة من التبعية البدوية، يجوز خلالها ما لم يكن جائزاً فى أى من العصور، فهو أمر فى حاجة إلى إعادة نظر رسمية وشعبية فى آن واحد.
نقلاً عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع