توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بعد 66 عاما من يوليو 1952: حصاد الهشيم.. أو الحكم الوطنى فى المنطقة العربية!

  مصر اليوم -

بعد 66 عاما من يوليو 1952 حصاد الهشيم أو الحكم الوطنى فى المنطقة العربية

بقلم - عبد العظيم حماد

فى السياسة، ومصائر الأوطان والشعوب، ليست الأعمال بالنيات، ولم تكن، ولن تكون، وإنما الأعمال بالنتائج، «فمن ثمارهم تعرفونهم»، كما يقول السيد المسيح عليه السلام فى وصف من تخالف أعمالهم أقوالهم.

فلا شك عندى فى أن معظم من تصدوا لقيادة حركات التحرر الوطنى فى دولنا العربية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى كانوا صادقى النية والعزم، فى بداياتهم على الأقل، ويسرى ذلك على المرحلتين اللتين ينقسم اليهما تاريخ الحكم الوطنى فى منطقتنا، أى مرحلة الحكومات المدنية، قبل يوليو 1952، ومرحلة حكم الضباط الوطنيين، التى بدأت فى ذلك الشهر من ذلك العام، ولكن لاشك عندى أيضا، وعند الأغلبية من مواطنينا المتخصصين وغير المتخصصين أن النهايات جاءت مغايرة تماما للبدايات، وأن محصلة الحكم الوطنى «العربى» لا تزيد فى حقيقة الأمر عن «قبض ريح أو حصاد هشيم»، وليس على من تحدثه نفسه بالإنكار أو المكابرة إلا أن يقارن بين أحوال عموم العرب، وأحوال من بدأوا معهم، أو بعدهم تجربة الحكم الوطنى، سواء بقيادة مدنية، أو تحت قيادة الضباط، فى كل الميادين، سواء الاقتصادية، أو الثقافية، أو حتى درجة مناعة الأمن القومى، والاستقرار السياسىى.

من الدول التى حصلت على استقلالها أو أقامت حكما وطنيا فى سنوات ما بعد الحرب العالمية الأولى تركيا وايرلندا، ودول البلقان، وبعض دول أوروبا الوسطى، وهى كلها الآن تتمتع بدرجة مرتفعة أو معقولة من الاستقرار السياسى، والنمو الاقتصادى، والوحدة الوطنية، مع الاعتراف بأن بعضها تعرض لنكسات متفاوتة العمق والاتساع، فى أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعدها، وفى أعقاب انتهاء الحرب الباردة، ولكنها كلها وجدت طريقها إلى الحكم الرشيد بالاختيار الشعبى الحر، منذ العقد الأخير من القرن الماضى.

ومن الدول التى بدأت تجربة الحكم الوطنى بعد الحرب العالمية الثانية تباعا، الهند ومعظم دول جنوب شرق آسيا، ثم كل الدول الإفريقية فيما بعد، ولا ننس أن إسرائيل تأسست فى تلك الحقبة أيضا.

من المؤكد أن المقارنة تثبت اجمالا نجاح الحكم الوطنى خارج الدول العربية، عدا بعض الدول الإفريقية لظروفها المعروفة، كما تثبت هذه المقارنة فشل الحكومات الوطنية فى غالبية الدول العربية، إن لم يكن كلها، بكل أسف.

ثمت مقارنة أخرى أكثر تحديدا تثبت صحة هذه الرأى، وهى المقارنة بين فيتنام الشرق آسيوية، وبين الجزائر العربية، فكلا البلدين خاض حرب تحرير باسلة ومطولة وقاسية وملهمة للبشرية كلها، والآن أين فيتنام وأين الجزائر؟

مقارنة أخرى أكثر تحديدا ومساسا بنا نحن المصريين، وهى هذه المرة بين مصر وإسرائيل، مع الأخذ فى الاعتبار أن ضباط يوليو (الوطنيين !) استولوا على السلطة للثأر من هزيمة الجيش المصرى ضمن الجيوش العربية أمام الإسرائيليين فى حرب 1948، وذلك عن طريق بناء دولة مستقلة وحديثة وديمقراطية فى مصر، وهو ما لم يحدث حتى ساعتنا هذه، بل حدث العكس، الذى حولها إلى أشلاء دولة، أو شبه دولة!.

السؤال الآن: لماذا فشل الحكم الوطنى فى معظم الدول العربية؟

أسهل الاجابات، وأكثرها ترددا على ألسنة العامة والحكام (ويالها من مفارقة) هى المؤامرة العالمية المستمرة، وكأن العرب شعوبا وحكاما خلقوا وحدهم مسلوبى الارادة، ومحرومين من الحد الأدنى للمناعة من بين جميع شعوب العالم، مع أن الصين مثلا تعرضت للحصار والتضييق والمؤامرات لأكثر من عقدين من الزمان، ولا تزال عرضة للتحرش والابتزاز، وكذلك ايران الجارة الأقرب لعرب المشرق والجزيرة العربية، وأيضا ظلت جميع دول أمريكا اللاتينية موضوعا لمؤامرات الرأسمالية والمخابرات الأمريكية حتى عقود قليلة خلت، أو كأن النهضة والتقدم يجب أن يتحققا فى معامل معقمة، كما سبق لنا القول فى مناسبة أخرى.

إذن تبقى الأسباب الداخلية البحتة هى سبب نكبات الحكم الوطنى فى البلدان العربية، وإذا كان مفهوما أن الأسباب القبلية والطائفية وحداثة العهد بالاستقلال، ومن ثم هشاشة مؤسسات الدولة الحديثة، ومواريث ثقافة العصور الوسطى هى التى تشكل مجمل تلك الأسباب فى المشرق العربى، والجزيرة العربية، والسودان وليبيا والجزائر، فإن هذه كلها لا تصلح لتفسير فشل الحكم الوطنى فى مصر على وجه الخصوص، بما أن مصر استثناء من تلك المثالب.

لمزيد من تأصيل هذه الخصوصية المصرية، لا أجد أفضل من وصف القاضى والمفكر والمؤرخ طارق البشرى لحالة مصر عند دخول الاحتلال البريطانى فى كتابه «شخصيات تاريخية»، فى فصل بعنوان «مصطفى النحاس وعصره»، فقد كتب البشرى يقول: « اختلف احتلال مصر عن احتلال كثير غيرها فى زمانها من بلاد المستعمرات، فعندما دخل العسكريون البريطانيون القاهرة فى سبتمبر 1882 وجدوا بها دولة تتكون من مجلس وزراء وبرلمان منتخب، ووزارات ومصالح وإدارات، وجيش نظامى حديث، بنى على عهد محمد على، وخاض معارك تاريخية فى العشرينيات والثلاثينيات من القرن ذاته، ثم صفى فى الأربعينيات، ثم أعيد بناؤه على عهد اسماعيل فى الستينيات، وحارب فى الحبشة، وأعالى النيل، كما وجدوا بها شرطة نظامية، وتقسيمات إدارية ومديريات ومراكز وأقسام، وإدارة محلية، ومجالس بلدية وإقليمية، وبيروقراطية حديثة تمسك بزمام الأمور، ونظم تعليم وقضاء قديمة وحديثة، فهى دولة تكامل بناؤها على مدى ثلاثة أرباع القرن، فصارت موطدة الاركان، مدعومة البنيان، كما وجد البريطانيون فى مصر شعبا على درجة عالية من التوحد، تدور فيه دعوات النهوض والارتقاء من عشرات السنين السابقة، وتختمر فيه تجارب الاصلاح والبناء المؤسسى، وتقوده نخب سياسية واجتماعية ذات خبرة وأفق واسع ونظر دقيق»، انتهى الاقتباس من المستشار البشرى.

من ناحيتنا نضيف إلى هذه الخصائص ما أنجزته ثورة 1919 (التى تحل ذكراها المئوية بعد بضعة أشهر) من ترسيخ لكل أفكار الحداثة، بنقلها من إطارها النخبوى إلى النطاق الأوسع الشامل لكل مواطن ومواطنة على أرض مصر، خاصة اتخاذ «المصرية»، وليس الدين أساسا للمواطنة، واعتبار الأمة مصدر السيادة والسلطة، وتحرير المرأة، واطلاق طاقات المجتمع المدنى.

****
دولة ومجتمع هذه خصائصهما وإنجازاتهما، وهذا هو مستواهما من الخبرات والتطور، كانا أجدر بكثير مما آل إليه الحال، فإذا اعتبر البعض عن حق أن وجود قوات الاحتلال كطرف فاعل وقوى فى ثلاثية الحكم والسياسة فى مصر، وانغماس البلاد بالرغم من إرادتها فى معترك الصراع الدولى فى الحربين العالميتين، ثم فى الترتيبات الدولية لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كانا من أسباب فشل الحكم الوطنى قبل حكم ضباط يوليو 1952، فإن ذلك ــ وإن كان صحيحا ــ لايعفى بقية القوى فى معادلة الحكم فى تلك الحقبة من المسئولية، خصوصا القصر الملكى وأحزاب الأقلية، لأن هذين الطرفين لم يسلما قط بحق الشعب فى اختيار حكومته، ومن هنا اضطربت السياسة، وتدهورت الأوضاع تمهيدا لاستيلاء الضباط على السلطة.

لكن هؤلاء بدورهم سرعان ما أدخلوا مصر فى حلبات الصراعات الاقليمية والدولية، وأردوها فى وهدة هزيمة عسكرية شائنة أمام إسرائيل، والأخطر أنهم قضوا قضاء مبرما على كل قيم ومؤسسات الحداثة، وحولوا بمرور الوقت، وتعاقب عهودهم ما كان مشروعا للاحياء الوطنى إلى احتكار سلطوى، يخشى أن يتطور إلى حكم أوليجاركى، فهل من تفسير؟

أمامنا تفسيران أراهما متكاملين، وسبق ذكرهما كثيرا: الأول هو قول مفكرنا العظيم الراحل جمال حمدان، «إن مشكلة مصر هى حاكمها، أو استمرار الفرعونية السياسية، بعد أن قضت الحداثة على مبررات وجودها».

والثانى هو قول البروفسور دانكوارت روستو مؤسس دراسات التحول الديمقراطى فى الولايات المتحدة فى ستينيات القرن الماضى: «إن شرط نجاح الحكم العسكرى هو بناء مؤسسات دستورية ومدنية قادرة على الاستمرار والمساءلة».

ختاما: هل يجدى أن نقول: كفى ما كان وما ضاع، ولنشرع فى بداية جديدة؟

نقلًا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعد 66 عاما من يوليو 1952 حصاد الهشيم أو الحكم الوطنى فى المنطقة العربية بعد 66 عاما من يوليو 1952 حصاد الهشيم أو الحكم الوطنى فى المنطقة العربية



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon