بقلم - شملان يوسف العيسى
كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن صفقة القرن التي روّج لها الرئيس الأميركي دونالد ترمب... ولم يفصح حتى الآن عن ملامح هذه الصفقة، لكن الصحافة العالمية والعربية ذكرت أن الصفقة تركز على إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي؛ لمعالجة القضايا الأكبر للأمن الإقليمي، التي من أهمها محاربة الإرهاب وعزل إيران لإجبارها على التخلي عن تسلحها النووي والتدخل في قضايا الدول الإقليمية داخلياً.
صفقة القرن تنهي القضية الفلسطينية ومفهوم الدولتين، والبديل عنها دولة منقوصة على جزء من الضفة الغربية ولا تملك السيادة، وتستحوذ قوات الاحتلال الإسرائيلي على جزء من الضفة الغربية التي توجد فيها المستوطنات الإسرائيلية، كما تأخذ إسرائيل القدس وبقية الضفة الغربية... وتنسحب إسرائيل من بعض القرى شرق القدس المحتلة وهي تحديدا قرى شعفاط وجبل المكبر والعيساوية وقرية أبو ديس التي ستكون عاصمة الدولة الفلسطينية بدلا من القدس.
أما ما يخص غزة فمن المتوقع أن تقام هدنة طويلة الأمد، ويتم رفع الحصار الاقتصادي، وسيتم بناء ميناء دولي وتأمين الخدمات وتوفير فرص العمل وتحسين وضع مليوني فلسطيني في غزة.
كما تشمل الصفقة كونفدرالية مع الأردن ومساعدة مصرية في توطين جزء من سكان غزة في سيناء، وفي المقابل ستحصل مصر والأردن على بلايين الدولارات للنهوض الاقتصادي في البلدين. لا نعرف حتى الآن ما هو موقف مصر والأردن من الصفقة، لكن المعلن حتى الآن هو تمسك البلدين بالقضية الفلسطينية ومع حل الدولتين.
المعضلة أن الرئيس الأميركي لا يؤمن ولا يميل إلى آلية التفاوض الطويلة المدى للتوصل إلى حل مقبول لجميع الأطراف. لقد بدأ ترمب حملته الانتخابية بانتقاد الإدارة الأميركية الديمقراطية السابقة؛ لأنها لم تغير نهج التفاوض والتوسط في الصراعات، وقد فشل الرئيس حتى الآن في التفاوض مع روسيا والصين وكوريا الشمالية... فكيف له أن يحل القضية الفلسطينية الشائكة والمعقدة؟! فكل همه هو إجراء صفقة أو Deals وهذا يتوافق مع خبرته وشخصيته كرجل أعمال وسياسي مستقل لديه شك وريبة في نزاهة وقدرات المؤسسات الحكومية في بلده... معنى ذلك أن الرئيس لا يريد الخوض في تفاصيل القضية الفلسطينية.
خطورة صفقة ترمب تكمن في أنه لا يرعى مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين حول بنود التسوية المقترحة، بل وضع صفقة للطرفين وللأطراف الإقليمية عليهم قبولها أو رفضها.
من المفارقات الغريبة أن فريق ترمب ومبعوثيه للسلام، مثل زوج ابنته جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات، كانت خطوتهم الأولى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها والدعوة إلى حل وكالة غوث اللاجئين «الأونروا».
السؤال هل يمكن تمرير صفقة القرن؟
هنالك عدة مؤشرات وعوامل عربية وإقليمية ودولية ترفض صفقة القرن، ومن أهم هذه المؤشرات رفض السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني لها.
حتى اليهود الذين ينتمون للحزب الديمقراطي واليسار والليبراليين الأميركان يرفضون صفقة ترمب ويؤمنون بحل الدولتين ويرفضون سياسة الاستيطان. الحزب الديمقراطي الأميركي لديه مواقف معلنة بقبول مفهوم الدولتين، وهناك احتمال أن يحصل على مقاعد جديدة في انتخابات الشهر القادم للكونغرس الأميركي قد تعيق الصفقة.
إقليميا حملة الولايات المتحدة القوية ضد إيران يجب أن يرافقها الانتهاء من حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ لأن القضية الفلسطينية كانت ولا تزال أكبر الذرائع التي استخدمتها إيران وتنظيم «الإخوان المسلمين» وغيره من الحركات الإسلامية لتبرير عدائهم للغرب ومحاربتهم للمصالح الأميركية في المنطقة.
ماذا عن القوى العظمى؟ هل يمكن للإدارة الأميركية تمرير صفقة القرن من دون الأخذ في الاعتبار موقف روسيا والاتحاد الأوروبي، حيث يوجد موقف واضح لهذه الدول من الصفقة، إذ كلاهما يرفضها؛ لأن تمرير الصفقة يقلل من نفوذهم في منطقة الشرق الأوسط، ففي بريطانيا مثلاً، دعا حزب العمال البريطاني في مؤتمره الأخير الذي عقد في مدينة ليفربول الحكومة البريطانية إلى وقف بيع الأسلحة لإسرائيل.
الظروف العربية والإسلامية والإقليمية والدولية ضد صفقة القرن؛ لأن طبيعة الصفقة غير عادلة ولا تأخذ في الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني الذي سلبت أراضيه وشرد شعبه.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع