مثل نفحة سخية من الله حلت جميلة بوحيرد أرض مصر، كأنها نسمة طرية وحانية من السماء جاءتنا في اللحظة المناسبة. مجرد رؤيتها ومشاهدة مواكب استقبال المصريين الحاشدة العاشقة لها، طرقت جدران الذاكرة كشلال هادر، أيقظ المشاعر والمعاني الوطنية الصادقة التي تمثلها جميلة.
جميلة بوحيرد التي قرأنا قصتها في كتب المدرسة صغارا، وانبهرنا ببطولتها وتضحياتها المذهلة في سبيل وطنها، الجزائر الشقيقة كبارا، وتفتح وعينا عليها رمزا عظيما من رموز التضحية والشجاعة والاستعداد لمنح كل غال ونفيس فداء للوطن. جميلة التي حظيت بقسط وافر من اسمها، فهي فعلا جميلة وجها وروحا وفكرا، وهي كذلك ملهمة للشعراء العرب في كل قطر عربي كتب فيها كبار الشعراء عشرات القصائد، كذلك أبدع الكاتب القدير عبد الرحمن الشرقاوي مسرحيته الشعرية عنها تحت عنوان »مأساة جميلة» وتحكي قصة فتاة صغيرة وقفت ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم، تحمل جينات البطولة والكفاح النبيل.
هذه الفتاة الصغيرة - وقتها - حركت ضمير العالم عندما اعتقلت وواجهت حكما بالإعدام، ورأت الأهوال في السجن بالجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي. كانت ولاتزال رمزا رفيعا للثورة الجزائرية، وبلد المليون شهيد.
لذلك كله كان قدومها إلي مصر مفجرا لطاقات الحب والشغف عند المصريين جميعا للقاء رمز الحرية وفخر المرأة العربية. وهي قادمة لحضور مهرجان أسوان السينمائي الدولي لسينما المرأة في دورته الثانية التي تحمل اسم »جميلة بوحيرد» وهنا يتحتم شكر القائمين علي المهرجان لاختيارهم تلك الشخصية الفريدة.
تكريمات عديدة حرص المسئولون الرسميون علي إقامتها لها، أولهم المجلس القومي للمرأة ورئيسته الدكتورة مايا مرسي، وذلك في حضور الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، حضر اللقاء نخبة من القيادات النسائية علي مستوي الجمهورية، كما حضره كاتبات وشاعرات وفنانات معروفات.
وكان الاستقبال مدويا، حارا، يقشعر له البدن، دمعت عينا جميلة من شدة الانفعال بمشاعر المصريين المحبة لها، المأخوذة بقصة بطولتها المذهلة. وحكت عن ذكرياتها مع الرئيس جمال عبد الناصر في زيارتها السابقة لمصر عام 1962 وكيف كانت مبهورة بشخصيته الوطنية، وفخورة باستقباله وتكريمه لها.
سوف تزور جميلة أسوان وهي مدينة فريدة من مدن صعيد مصر، وسوف يكرمها أهل أسوان فوق التكريم الذي ستحصل عليه في المهرجان السينمائي المتميز، وسوف تكون سحابة جميلة تظلل سماء أسوان. وسوف تعيد إلينا الذاكرة بمشاهد عظيمة لتاريخ طويل بين مصر والجزائر، أيام كانت القاهرة تحتضن الثورة الجزائرية بكل رموزها بزعامة أحمد بن بيلا ورفاق كفاحه الطويل.
نستعيد أيضا مع جميلة وقفة الشعب الجزائري مع جيش مصر وهو يخوض حرب أكتوبر 1973. ذكريات العزة والكرامة وإرادة أمة عربية قررت أن تتحرر من الاستعمار، وتستقل مهما كلفها ذلك من تضحيات.
لقد نغزت زيارة جميلة قلوبنا لتصحو وتستيقظ من جديد وهي تستعيد ذكريات هذا الزمان.. زمن المعاني الحقيقية، والنضال الصادق، والتشبث بأيقونة غالية اسمها »حب الوطن». شكرا مهرجان أسوان السينمائي لسينما المرأة، وشكرا لك سيدتي الجميلة »جميلة بوحيرد» قبولك الدعوة.
>> مثل كل العصافير المحلقة رحل الناقد الفنان علي أبو شادي عن عالمنا. انسحب بهدوء وخفة تشبه شخصيته المحبة لكل البشر، إنه البشوش الذي يبتسم في عز الضنك إيمانا منه أن الدنيا لا تستحق الصراع ولا ينبغي للمرء أن يضيع لحظة من عمره في هذا اللهاث من أجل منصب أو مال.
كان يعطي بكل إخلاص وحب في كل منصب تولاه، لكنه لم يكن متنمرا، متحفزا للحصول علي مكسب أو منصب يتقاتل عليه الكثيرون. كثيرا ما مد يده لمساعدة الآخرين وتبني الشباب الصاعد الحالم، ودائما كان لهم الأب الحنون والأستاذ المعطاء الذي لا يبخل عليهم بخبرة أو دفعة من أجل الوجود. رحم الله الصديق العزيز علي أبو شادي..
نقلا عن الاخبار القاهريه