بقلم - ماجد الشيخ
في ظل مزاج سياسي سيئ، محاط بالإحباط، وقلة الحيلة، وعدم المبادأة انطلاقاً من قوة الذات المستندة إلى ميزان قوى شراكة وطنية حقيقية وجادة، لا يخادع بعضها بعضاً، وتبتعد من التدليس والطعن في الظهر، كان لا بد من تبلور مزاج جماهيري وشعبي حاد ومتوثب، يبحث عن سبل واضحة في مواجهة مجموع الانسدادات التي باتت تحيط الحركة الوطنية الفلسطينية وقوى كفاحها التحرري الوطني، قبل أن تنجح المشروعات التهويدية والمسيحانية الشعبوية الغربية، وفي ضوء وقائع أوسلو، وما رسخته من تشوهات قاتلة في صورة الحركة الوطنية الفلسطينية ورؤاها الغائمة؛ في تحويل المــشروع الوطني إلى مجرد مشروع سلطوي يقاسم الاحتلال الهيمنة على الأرض وعلى جزء من الشعب، أو يقيم مع الاحتلال تهدئة طويلة الأمد، تستأنف خلالها المشروعات الاستيطانية تهويد المزيد من الأرض، واغتصاب ممتلكات المزيد من أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس.
وما يجري في قرية الخان الأحمر، يلخص من جديد مشروع نكبة جديدة مصغرة، يراد اليوم تكرارها في ظل السلطة الناتجة من اتفاقي أوسلو، بحق جزء من شعب الأرض والوطن الفلسطيني في عاصمته التاريخية (القدس)، حيث تريد إسرائيل إخلاء القرية وهدمها بالكامل وتشريد سكانها، ضمن مخطط يهدف إلى هدم 46 تجمعاً بدوياً في القدس والضفة الغربية، من أجل إقامة مخطط استيطاني كبير يعرف باسم (E1)، وهدفه الأساس فصل مدينة القدس المحتلة عن مناطق الضفة الغربية، كما يهدف إلى تقسيم الضفة وفصل مناطقها الشمالية عن الجنوبية. فأين يمكن أن تقام الدولة في منطق الأوسلويين ومن أجل من؟
ويوم الثلثاء (18 أيلول/ سبتمبر 2018) استشهد ستة مواطنين فلسطينيين برصاص جيش الإحتلال الإسرائيلي في كل من الضفة الغربية والقدس وغزة، وهذا مؤشر واضح إلى أن ما يجري إنما هو تعبير كفاحي عن مزاج جماهيري وشعبي حاد، يمكن اعتباره مقدمات انتفاضة جديدة، وكذلك ما عبرت عنه أخيراً حراكات مقاومة شعبية، تجسدت في كل من الضفة وغزة والقدس، وقبلها في مناطق الجليل والمثلث والنقب والخان الأحمر، في تصعيد ملحوظ لكفاحات شعبية مباشرة وغير مباشرة، ليس في مواجهة قوات الاحتلال والمستوطنين والمؤسسة الإسرائيلية وهي تتغول بتسارع متعمد، مدعومة من يمين أميركي وأوروبي، بهدف إفقاد الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، كامل عدته الكفاحية، وخسارته كامل قضايا المفاوضات الست، من دون مفاوضات أو استئنافها، كما عبرت عن ذلك ما تسمى «صفقة القرن»، وقد بدأت بالاعتراف بالقدس «عاصمة أبدية لإسرائيل»، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وإسقاط اعتراضات الإدارة الأميركية على الاستيطان، تلاها إقرار «قانون القومية» واعتبار فلسطين التاريخية كلها مكاناً يحق فيه لليهود تقرير مصيرهم فيها، من دون أي اعتبار لوجود شعب آخر، هو صاحب الوجود التاريخي وصاحب الحق التاريخي في وطنه الذي لا وطن له سواه.
وأخيراً، تسعى قوى التسوية التصفوية التي تشكلت إقليمياً ودولياً بموجب تلك الصفقة، للمصادقة على وأد «حل الدولتين» وتغييبه نهائياً من مسرح المنطقة، وذلك عبر نزع إلزامية حق العودة وإنهاء قضية اللاجئين، وعنوانها الأبرز (الأونروا) بموجب القرار الدولي الملزم الرقم 194، وهي محاولات إقليمية ودولية دؤوب، يسعون الآن لتكون خاتمة مطاف تسوية طال انتظارها؛ من جانب من راهنوا طويلاً وطويلاً جداً، على إمكان أن تتحقق شعاراتهم غير الواقعية، ووأدوا الكثير من موجات المقاومة والحراكات الشعبية والانتفاضية من أجل رهاناتهم الخاسرة. وكان ينبغي أن يدركوا أن اتفاقي أوسلو قد ماتا مع موت رابين، وأنه لم يعد هناك «إجماع صهيوني صلب» يقف خلفهما، بينما يوجد اليوم على رأس المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة يمين استيطاني متطرف، لم يعدم نشر رؤيته غرباً، وها هو ينجح في نشرها شرقاً؛ شرقنا الإقليمي وحتى العربي.
وبعد وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، استمر المقامرون كما المغامرون في الوضع الفلسطيني على رهانات لا أفق لها، وها هم في المصيدة يتخبطون من دون أن يدركوا أن حركة انتفاض شعبي كبرى، قد تطيح كامل مخططات العدو، ومعها رهانات المتواطئين معه، من قوى تدعي إيمانها وسعيها إلى المصالحة، علاوة على قوى تدعي أن من أهداف التهدئة، مصالح الناس السياسية والإنسانية، فيما الجميع يتهرب من المصالحة، لمصلحة بقائه سلطوياً، في ظل نظام فردي يراوح في بحار من الجمود، ومن التهدئة أيضاً إلى الهدف ذاته: سلطوية السلطة الخاصة بهذا الفريق دون الفريق الآخر، وكلاهما لم يعد يعير الشراكة الوطنية أي أهمية. وهذا تحديداً لا يشير، بل يؤكد أن لكل فريق مشروعه السلطوي، في معزل وبعيداً من المشروع الوطني وأهدافه التحررية.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع