بقلم-عزمي عاشور
من حُسن الحظ أن واقع التفاعل في المجتمعات، سواء في قدرتها على إحداث نهضة برؤية النخبة التي تحكمها أو العكس، تظهر تطبيقاتها على أرض الواقع. وأبرز الأمثلة هنا، نموذج كوريا الجنوبية في مقابل كوريا الشمالية. فتجربتهما تكشف كيف أن إكسير التقدم يتجسد في رأس النخبة الحاكمة ودورانها في شكل ديموقراطي ليعكس نزاهة الحكم.
فالكوريتان من حيث الانتماء المبني على التقسيم الجغرافي يقعان في شرق آسيا، ومن حيث العرقية والاثنية والقومية ينتميان إلى عرقية ولغة وأرض واحدة. فكيف حدث الفارق في التقدم مع وجود هذا الاشتراك في المقومات الأساسية والذي يصل إلى حد التطابق؟ الاختلاف يبدو بين تأثير مظاهر التقدم والحضارة على مجتمعين كانا في السابق مجتمعاً واحداً. جرى الفصل بينهما بسلك شائك، فأصبح أهل الجنوب يعيشون قمة النضج الحضاري الذي تجلت مظاهره في الرخاء المعيشي والقدرة على الدخول في تفاعلات اقتصادية وتكنولوجية مـــع الغرب تتسم بالندية، فأضحى الكثير من شركاتها الصناعية كوكبية عابرة للقارات كشركات السيارات والكومبيوتر وغيرها.
هذا إضافة إلى التمتع بالثقافة العصرية التي تحكمها قيم العمل والنظام واحترام القانون. لكنك إذا عبرت الخط الفاصل ستندهش من مظاهر الفقر والبؤس. فمستويات المعيشة منخفضة والأمية منتشرة والشوارع ليست نظيفة مع أن سحنة البشرة هي السحنة نفسها. وبالتالي فإن هذه الصورة المقابلة المضادة للأشخاص أنفسهم ما بين التقدم في الجنوب والتخلف في الشمال، تقف وراءها صور متناقضة في طبيعة النظام السياسي الحاكم. فكوريا الجنوبية تتسم في نظام حكمها بالديموقراطية وتداول السلطة، فضلاً عن قدرتها على إحكام سيادة القانون. وبالتالي فهي تطبق النمط الديموقراطي في الحكم القائم على تداول السلطة. في المقابل تبدو الصورة معاكسة في كوريا الشمالية حيث هناك ما يشبه التعمد في وجود حزب مهيمن يورّث فيه الحكم داخل أسرة واحدة من الجد للأب للحفيد. ومن هنا نلاحظ أن نتائج التقدم في كوريا الجنوبية ارتبطت في شكل كبير بطبيعة النظام السياسي. فعملية الرخاء ورفاهية العيش هي انعكاس لنزاهة الحكم وسيادة القانون. وفي المقابل يمكن ربط التخلف وانخفاض مستويات المعيشة في الشمال إلى سلطوية أسرة واحدة مهيمنة في شكل مستفز، وإن تسترت بقواعد الحزب الحاكم.
نقلا عن الحياه اللندنيه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع