بقلم - عزة كامل
(1) كنا نتناول العشاء فى بيت صديقتى، ووسط الاستغراق فى حديث الذكريات، قطع حديثنا صراخ امرأة قادماً من الشارع، نهضنا واتجهنا إلى الشرفة، فأبصرنا امرأة تلطم خديها وتصرخ: «حرام عليك يا ظالم، ترمينى فى الشارع، أروح فين دلوقتى..»، ركضنا مهرولين على السلالم، وعندما وقفنا أمامها وجدناها تجهش فى بكاء مرير، أخذناها إلى الشقة، جلست ممزقة ومجروحة تمسح عينيها، وهى تتفقد المكان من حولها، ثم نظرت بأسى وهى تجاهد للكلام: «تزوجته ورزقنا بابن وطلقنى بعد سنتين، وعندما انتهت حضانتى جاء هو وأهله وأخذوا ابنى وطردونى فى الشارع بهدومى اللى لابساها».
(2)
الظلمة فى الخارج زادت عتمتها، بدا كل شئ أمامى رثّا ومثيرا للاشمئزاز، الأمر كله فد تلاشى، الزوج، والابن، المأوى، الحياة، فقط لم يبق إلا شبح امرأة تصارع عذاباتها، حاولنا أن نعيد الطمأنينة إلى نفسها بعبارات واهنة مفككة، فكل منا يعرف الحقيقة، وكل منا لا يملك إلا الشفقة على تلك المرأة التى أصبحت فى لحظة غادرة من الزمن بلا مأوى بحكم قانون غير عادل وسلطة ذكورية قبيحة لا ترحم.
حالة هذه المرأة ليست مجرد استثناء، بل هناك الآلاف من النساء يعانين الوحدة والقهر والتشرد، نساء نأت عنهن الحماية، وأدار لهن الأمان ظهره، تم التعامل معهن باعتبارهن مجرد قنوات لتفريخ الأطفال، يكافحن فى الحياة من أجل تربية صغارهن وفقط، يتحملن المشقة، ويعانين من كل صنوف المعاملة القاسية واللانسانية على الإطلاق، ثم يأتى الأب الذى لم يسهر على مرضهم، ولم يذهب بهم إلى المدارس، ولم يقف بالساعات فى المطبخ ليعد طعامهم، ولم يحملهم يوما إلى الطبيب، ولم يسهر على سلامتهم، ويأتى فجأة لينتزعهم ظلما وعدوانا من حضن أمهاتهم، ليلقى بهم إلى أمه أو أخته، نكاية فى الأم تحت ذريعة القانون الذى يبيح له ذلك، أى عدالة وأى إنصاف فى مثل هذا القانون؟!
(3)
محاكم الأسرة تضج قاعاتها بملايين قضايا النفقة والطلاق والطاعة وغيرها، هذا بالإضافة إلى طول فترة التقاضى التى تلقى المرأة والأطفال فى أتون العوز والفاقة، حنى الخلع الذى قامت الدنيا عليه ولم تقعد لا تحصل عليه المرأة الآن بسهولة، رغم تنازلها عن كل ما تملك لتمنح حريتها، مصر تتصدر قائمة الدول الأعلى فى الطلاق، وملايين الأطفال يعانون من التفكك الأسرى وانعدام الحياة اللائقة الآمنة، فى الوقت الذى يقدم فيه حزب الوفد للبرلمان مشروعا لقانون الأحوال الشخصية تتضمن بنوده خفض سن الحضانة من 15 سنة إلى 12 سنة!!، فبدلاً من المطالبة برفع سن الحضانة إلى 18 سنة التزاماً بالنص الدستورى الذى حدد سن الطفل بمن لم يكمل عامه الـ18، نطالب بالخفض.
(4)
يجب أن يجرى حوار مجتمعى حقيقى موسع، يأخذ رأى أصحاب المصلحة جميعهم فيه، بالإضافة للمجلس القومى للمرأة وعلماء النفس والاجتماع والتربية والمنظمات النسوية، إن العلاقة الزوجية وإنهاءها ليست علاقة حرب، الرعاية المشتركة للطفل والمعايشة حق أساسى له على الوالدين حتى بعد الطلاق، يجب أن ينطلق أى قانون جديد من الاحترام المتبادل والحقوق المتساوية لكل الأطراف، لكى نتجنب أطفالاً مدمرين نفسيا، نتجنب أجيالاً تدمر لا تبنى.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع