بقلم: نشوى الحوفى
شرفت بأن أكون ضمن أعضاء اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث التى تم الإعلان عن تكوينها فى شهر مايو الماضى. كما شرفت بتكليفى بمهمة صياغة الرسائل ومضمون الحملة الإعلامية لتلك المبادرة. أرسلت لى العزيزة دكتورة مايا مرسى، رئيس المجلس القومى للمرأة، ملفاً متكاملاً عن تلك الظاهرة التى تدمر حاضر ومستقبل الكثير من الفتيات فى بلادى. وصُعقت من كم المعلومات التى حواها الملف عن جهود مصر فى هذا المجال على مدار سنوات امتدت لعقود القرن الماضى. ولكن توقفت كثيراً أمام إصرار البعض على إلصاق الدين بتلك القضية من دون سند واضح سوى حديث أكد ثقات العلماء عدم صحته!
تكتشف فى ظاهرة ختان الإناث أزمة الثقة فى المرأة وأزمة الفكر فى التعامل معها وأزمة التربية التى تصر على تحميلها كل المسئولية. لتدرك معاناة البنات مع فكرة موروثة من تقاليد الشعوب والقبائل لا علاقة لها بدين من قريب أو بعيد، يمارسها المصريون فى بلادى مسيحيين ومسلمين بدعوى الدين! وكأن الدين جاء لتعذيب المرأة لا لإكرامها والترفق بها ورعايتها وحمايتها. وتتساءل إن كان الختان سنة فى الإسلام، فلِمَ لم يختن الرسول بناته؟ ولماذا لا تطبقه غالبية الدول الإسلامية وفى مقدمتها السعودية؟ ولماذا أنكره شيوخ من الأزهر كالشيخ شلتوت منذ خمسينيات القرن الماضى؟
ثم من قال إن ختان البنت عفة لها ليحفظها من الانحراف، كما يردد البعض جهلاً؟! من أين جاء أصحاب هذا الرأى بهذا الكلام وإرساله دون أرقام أو معلومات، فقط هراء يردد منقولاً عن آبائهم وأجدادهم دون سند، ودون إدراك بأن عفة الفتاة لا علاقة لها بختانها ولكن بتعليمها الصواب والخطأ ومنحها الفكر والثقافة والتعليم القادرين على حمايتها من شياطين الفكر والسلوك. كانت أمى رحمها الله تعظنى فى صغرى قائلة: «مش حنكون معاكى زى ضلك بره البيت، إنت وضميرك اللى حتحمى نفسك». ومن تلك العبارة كان الفهم لمعنى الثقة والاحترام للأسرة وسيرتها حتى فى غيابهم. عفة الفتاة فى تربيتها بحب ومنحها الأمان والثقة فى ذاتها لتدرك مسئوليتها فى حماية سمعة والديها.
أدرك من قراءة الأوراق ميراثنا الثقيل فى النظر للمرأة والتعامل معها باعتبارها مخلوق درجة ثانية! فهى تتعرض للتحرش لأنها ذات مظهر جيد لا لكون من رآها لم يحترم ذاته ولم يتعلم معنى التربية الحقة! وهى المُصرح بضربها من مشايخ رفضوا إعمال العقل فى المعنى وفضلوا أخذ فكر البداوة، فرددوا عبارات من عينة أن ضربها مباح من دون تكسير العظام دون أن يدركوا أن كسر الروح أعظم! وهى التى عانت فى تطبيق شريعة الله بالخلع حينما تُركت نهباً لتراجع الفكر والخلق. وهى التى يجب وأد إحساسها بالأمان وتعذيبها بختان قالوا عليه من الدين وما هو من الدين دون أن يرحموا خوفها أو يرتدعوا بدموعها وتوسلاتها بتركها تحيا دون أذى.
نعم، بدأت الحملة الوطنية للقضاء على ختان الإناث تحت شعار «احميها من الختان» فى ذكرى اغتيال بدور تلك الطفلة التى ماتت أثناء ختانها فى 14 يونيو 2007 وانتفضت مصر لمقتلها، ولكن لن يتحقق الهدف إلا بزيادة الوعى لدينا جميعاً. الوعى لدى الوالدين ليدركا أن طهارة ابنتهما بالتعليم والتثقيف والتربية. الوعى لدى الطبيب والممرضة بتجريم ذلك الفعل. الوعى لدى منفذ القانون -نيابة وشرطة وقضاء- بأن ختان البنات جناية يعاقب عليها القانون ووجب تنفيذ العقوبة بأسرع وقت. الوعى لدى خطباء المساجد والزوايا ليكفوا عن الإيذاء بفتاواهم.
مهمة شاقة نخوضها لا للقضاء على ختان الإناث ولكن للقضاء على ختان العقول... فالأزمة أزمة فكر.