بقلم: نشوى الحوفى
نعيش عالماً تختلط فيه أوراق الواقع بشطحات الخيال التى ربما تقترب من العبث، فيعجز العقل عن تصديق ما يحدث أو إيجاد تفسير له. ولكنه مسرح الحياة الذى يؤدى أبطاله الثانويون أدوارهم عليه مؤمنين بأنهم نجوم الحدث، فيتوهمون ويوهمون من يتابعهم من جماهير أنهم صانعو القرار، بينما أبطاله الحقيقيون يتخذ كل منهم مكانه المخفى فى كواليسه. يكتبون جميعهم سيناريو رقعة الشطرنج ويختارون الأبطال القادرين، من وجهة نظرهم، على أداء الأدوار المطلوبة، ويتابعون الحدث لحظة بلحظة لمراقبة ردة فعل الآخر المختبئ أو أدواته فى التحريك. نعم عالم عبثى يلعب قادته الحقيقيون مباراة غير معلنة التفاصيل، وإن كانت أهدافها قد تكشفت.
من هنا ربط عقلى البسيط بين ما يحدث على مسرح شرقنا الأوسط من تحركات تشير فى ظاهرها إلى تكون تحالف للقضاء على إيران محور الشر الجديد، التالية فى القائمة لدول تم محوها أو احتلالها تحت ذات المسمى... «الشر»، وبين مسلسل «كلبش» فى جزئه الثالث الذى يستعرض لنا بعضاً من ملامح اللعبة التى يمارسها الأبطال فى شكل درامى طغى عليه الواقع بانكساراته وضغوطه وخيانته ومصالحه، ليكون السؤال فى كلا العرضين -الواقعى والدرامى- من ضد من ومن مع من؟
ففى شرقنا الأوسط تحركت قطع السلاح الأمريكى الضخمة لمواجهة إيران، رغم أن التاريخ القريب يقول إن صناعة الملالى أمريكية برعاية إسرائيلية، وارجعوا إلى وثائق الصهيونى برنارد لويس ومستشار الأمن القومى الأمريكى بيرجينسكى. ويقول إن فضيحة إيران كونترا باعت فيها أمريكا قطع سلاح لإيران عام 1983 خلال الحرب الإيرانية العراقية -التى دعمت فيها أمريكا العراق-! كان سمسارها الملياردير السعودى عدنان خاشقجى والموساد الإسرائيلى! مع أن الواقع يقول إن إيران تُركت من أمريكا والغرب لتنمو اقتصادياً وسياسياً وجغرافياً فى المنطقة لتلعب دور الفزاعة لدولها، ومن خلال ذلك يتم استنزاف تلك الدول التى آمنت منذ وجودها أن أمنها مرهون برضاء الخواجة أياً كان اسم حامل الراية، بينما الواقع يقول إن العلاقات بين أمريكا وإسرائيل وملالى إيران والإخوان المسلمين علاقات متينة استهدفوا فيها السيطرة على العالم تحت مسمى الدين أياً كانت العقيدة، والدين منهم جميعاً براء.
ثم تأتى قمة الهزل والعبث فى المشهد الحالى، حينما تسمع أن دول الخليج قد منحت أمريكا موافقتها لإعادة الانتشار فى المنطقة لمواجهة إيران! بينما أمريكا منتشرة فى قواعد عسكرية فى كل دول الخليج، كما توجد بقواتها فى العراق منذ 2003 وأفغانستان منذ 2002 وسوريا الضائعة بين قوى المصالح على أرضها منذ 2014! بينما الواقع يقول إن أمريكا الموجودة فى قطر بقاعدة العيديد منذ مطلع التسعينات صمتت على توقيع قطر اتفاقية دفاع مشترك مع إيران عام 2009 وتقبلت وجود الحرس الثورى الإيرانى فى قطر منذ المقاطعة الرباعية لها فى 2017! ليكون السؤال: أحقاً الهدف إيران؟ أم عصافير أخرى؟
ومن كلبش الواقع المؤلم الخائن الغامض، إلى كلبش الدراما الكاشف لبعض ألاعيب الكواليس التى تتحرك فيها عقول أجهزة خفية بحساب، حيث تظهر أدواتها بين خائن أعلن المعارضة ستراً لخيانته، ورجل مال استثمر نفوذه وثروته فى التخريب عبر شبكة دولية لا تتحرك فى إطار بلد واحد بل فى أقطار عدة، وبين دعاية قالوا عنها إعلاماً علا فيها الصوت باسم الحرية وغابت الحقيقة خلف رداء التضليل وكان الفيصل فى الكلمة.. الإعلان المدفوع.. ثمن الصوت العالى. كما ظهر التلاعب بمواقع التواصل الاجتماعى التى باتت موجهة لوعى الشعوب عبر علاقة متبادلة بين الإعلام وبينها حسب ما يخطط أبطال العوالم الخفية، لتتجسد حرب الدولة فى حماية مؤسساتها وأرضها بحرب ضروس فى زمن يهددنا فيه.. الكلبش.