بقلم - نشوى الحوفى
إياك أن تحكم على مشهد فى التاريخ بمعزل عن محيطه، اذهب للتاريخ ولا تستدعه إليك وانظر فى تفاصيل مشاهده التى تتحدث عنها، لتدرك أبعاد المشهد دون تجن، ومن هنا نحكى.
التاريخ: 23 يوليو 1952، كان العالم قد انتهى قبلها بسبع سنوات من حرب عالمية ثانية أنهت على إمبراطوريات حاكمة وجعلت من أمريكا القوة العظمى والأولى فى العالم، كانت أوروبا تلملم ضحاياها وقتلاها ومدنها المُدمرة «باريس ولندن وبرلين وروما وجينيف وفيينا»، تستند فى نهوضها بمشروع مارشال الأمريكى -15 مليار دولار- لإعادتها للحياة، اليابان مهزومة بضحايا واقتصاد واحتلال أمريكى، غاندى فى الهند زعيماً وفى العالم أيقونة تحرر بإنهائه الاحتلال البريطانى لبلاده 1948.
كانت حرب فلسطين بكل ملامحها جزءاً من ثورة يوليو رغم فارق السنوات الأربع بينهما، ففيها تفتحت عين شباب الجيش المصرى على حقائق صهيونية العالم وغياب الملوك والحكام عن الواقع العربى، بينما واقعهم فى مصر يحكى عن الفقر والحاجة وسيطرة رأس المال والاحتلال، واقع لم تروه مشاهد أفلام السينما فيما اصطلحنا على تسميته باسم «الزمن الجميل».
كان تعداد سكان مصر 18 مليون نسمة، نعم كان الجنيه المصرى أغلى من الجنيه الذهب، كانت البورصة المصرية من البورصات العالمية فى تحديد أسعار المحاصيل، وكانت بريطانيا مدينة لنا، لكن الحقيقة تقول إن الاقتصاد المصرى وقتها كان اقتصاد أفراد لا اقتصاد دولة، حصيلة بيع المحاصيل فى بورصات العالم كانت لكبار الملاك الذين سيطروا على ملامح الاقتصاد، كان بنك باركليز الإنجليزى مستحوذاً على 56% من حجم الودائع المصرية، وهذا ليس هجوماً على الملاك أو القطاع الخاص المصرى، فالإنسان ابن بيئته وظروفه وقد اجتهدوا وتلك كانت البيئة الحاضنة للاقتصاد فى مصر ولكنها لم تكن لكل المصريين، أضف لمعلوماتك أن قناة السويس لم يكن لمصر فيها سهم واحد بعد بيع الخديو إسماعيل كل الأسهم سداداً لديون مصر، لم تكن هناك التزامات خدمية على الحكومة تجاه المصريين، بينما الحياة قائمة على ثقافة التطوع والمشاركة الاجتماعية، «مبرة محمد على» و«الهلال الأحمر» و«جامعة القاهرة» وغيرها من الخدمات قامت بثقافة التطوع المجتمعى، وهذا شىء محمود نفتقده اليوم ولكنه لا يبنى اقتصاد دولة بقدر ما يعبر عن اقتصاد التصدق بالخير من قبل من يمتلك الثروة، كان التعليم الجامعى بمصروفات تراوحت بين 25 و40 جنيهاً، بينما كان راتب الموظف بين 12 و15 جنيهاً، وكان مشروعنا القومى عام 1950 مكافحة الحفاء!
أما ديون إنجلترا فتلك حقيقة فرضتها معاهدة 1936 واستغلتها إنجلترا فى الطرق والمحاصيل والمنتجات المصرية وقت الحرب العالمية الثانية دون دفع مليم، ولم تطالب الحكومة بما لدى بريطانيا من مستحقات فسقطت الديون، نعم كان الجنيه المصرى أغلى من الإسترلينى الذى انهار فى الحرب العالمية الثانية.
ثم نأتى لسؤال حقيقة ثورة 23 يوليو وهل كانت انقلاباً عسكرياً على الملكية! وأسألك ألم تكن مصر محتلة من بريطانيا منذ 1882؟ ألم يخرج منها 80 ألف عسكرى وضابط بريطانى يوم الجلاء 18 يونيو 1956؟ ثم هل يمكن اعتبار الملك الحالم باستبدال الاحتلال البريطانى بالألمانى كرهاً فى الإنجليز حاكماً؟
ومن هنا كانت يوليو ميلاداً جديداً لمصر بكل ما ترونه اليوم خطأ فى الاقتصاد والسياسة والمجتمع، أخطأت؟ بالطبع كأى فعل بشرى ولكن يكفى أنها من حررت بلادى من استعمار وكان قادتها حلماً لشعوب أفريقيا ودول العالم المحتلة من قوى الاستعمار.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع