بقلم: نشوى الحوفى
فى كتابه المعنون باسم «الثروة العامة للمدن»، والذى قام بتأليفه مع «ستيفان فوستر»، يقدم لك الكاتب الاقتصادى والمستشار الاستثمارى «داج ديتر» ملمحاً مختلفاً لمعنى كلمة ثروة لا تخص الدول ولكن تخص كل مدينة، ليطرح فى كتابه المترجم مؤخراً عن دار نهضة مصر للنشر بعضاً من تساؤلات تفسر الاختلافات بين المدن وما يجعل بعضها فقيراً وبعضها الآخر غنياً. وما إذا كان السبب فى الإمكانيات المتاحة لكل مدينة أم فى كيفية استغلال الفرص والإدارة الجيدة واكتشاف الثروات؟
يسمى «ديتر» المدن التى تكتشف ثرواتها وفرصها الاستثمارية باسم «المدن التوربينية» القادرة على إشعال وتحريك محركات العمل والتشغيل وتوليد الثروات، بينما يطلق على المدن الفقيرة اسم «المدن الطاحونة» التى تأكل يوماً بيوم وتعيش على مواردها المعتادة دون اكتشاف غدها الذى يمكن أن يمنحها المزيد. ولا تقتصر الموارد والفرص التى يتحدث عنها «ديتر» على الموارد المالية فقط، ولكن يمتد حديثه إلى الموارد البشرية والثقافية والفنية والتاريخية أيضاً، ضارباً عشرات الأمثلة فى مدن العالم التى يمكن الاستفادة من تجاربها.
من هنا توقفت أمام مشروع أنفاق الإسماعيلية التى تم الانتهاء منها، وقد زرتها بنفسى مرتين.. المرة الأولى مع بدء أعمال الحفر وتركيب الماكينة «هنر كريشت» العملاقة فى 25 أبريل 2016، ثم المرة الثانية فى أكتوبر الماضى 2018، وكانت الأعمال على وشك الانتهاء. تتوقف أمام أرقام الأنفاق ومعلوماتها لتدرك معنى كلمة اكتشاف الفرص المخبأة فى كل مدينة ومنحها مزيداً من الاستثمارات بأيادٍ مصرية من كل صوب وحدب فى بلادى. كانت الهيئة الهندسية مشرفاً على التنفيذ لضمان الجودة والوقت، وكانت الشركات المصرية الخاصة عاملة وحاضرة بشباب العمال والمهندسين الذين شرفت بلقائهم، لينجزوا هذا التحدى فى مدة لم تتجاوز 3 سنوات، وبعمق 70 متراً تحت سطح الأرض، و53 متراً تحت سطح القناة، بأنفاق بلغ طولها 5 آلاف و820 متراً، لتقطع المسافة بين الإسماعيلية وسيناء فى 20 دقيقة على أقصى تقدير.
لو طبقنا محتوى كتاب «الثروة العامة للمدن» على تلك الأنفاق التى تُعد الأكبر فى العالم، وفقاً لحديث المهندس المصرى هانى عازر، لاكتشفنا أنها نموذج ماثل لما تعنيه عبارة «المدن التوربينية»، فتلك الأنفاق هى جزء من مشروعات إعادة اكتشاف منطقة القناة وسيناء ودعمها بمشاريع ضخمة توفر فرص العمل لآلاف المصريين، تمنح تلك المنطقة فرصاً استثمارية فى النقل والتجارة والسياحة والسكن والمشروعات الصناعية، سواء التى تقيمها الدولة أو التى يؤسس لها القطاع الخاص، فقد سبق تلك الأنفاق منذ العام 2014 مشروع قناة السويس الجديدة والتخطيط والتأسيس لمدن جديدة مثل المدينة المليونية فى بورسعيد، التى تنوعت استثماراتها بين 17 مليار جنيه فى الموارد التعدينية، و5 مليارات جنيه استثمارات سياحية توفر 37 ألف فرصة عمل، و130 مليون دولار لتنفيذ المنطقة الصناعية شرق التفريعة ومحطة تحلية مياه البحر لتغذية مدينة شرق بورسعيد. هناك أيضاً مدينة الإسماعيلية الجديدة التى تم الانتهاء من مرحلتها الأولى بأكثر من حى سكنى لاستيعاب نحو نصف مليون نسمة، كما سبق الأنفاق محطة مياه السرابيوم لتوصيل المياه العذبة إلى سيناء. وتزامن إنشاء كل هذا مع تطوير مناطق الاستثمار فى سيناء ومنطقة القناة بتوقيع عقد المنطقة الصناعية الروسية والصينية اللتين تضمنان لمصر مليارات من الدولارات فى عالم الاستثمار.
ماذا يعنى ما سبق؟ يعنى أننا، بعد خمس سنوات من العمل والمثابرة، بدأنا فى رؤية آثار صبرنا وجهدنا بما يتماشى ورؤى الاقتصاد العالمى وتوجهاته لإعادة اكتشاف ثروات بلادنا بما يليق بها. لم نتأخر، فقد وضعنا أولوياتنا فى توفير مصادر الطاقة، ثم انطلقنا لدعم البنية التحتية للتحول للمدن التوربينية.