بقلم: نشوى الحوفى
تابعتُ تصريحات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب مؤخراً، عن حق الزوج فى ضرب زوجته، إن رأى فيها استعلاءً أو إساءةً لعِشرة. قال الشيخ فى البداية إن الضرب يجب ألا يصل إلى حد تكسير العظام، وحينما قامت الدنيا لحديثه، قال إن ضرب الزوجة ليس مطلقاً، ولكنه ضرب رمزى!
ودعونى أختلف مع حديث شيخ الأزهر، فما لجأ له لا يرقى لمنطق الإسلام وسماحته، لا مع المرأة فحسب، ولكن مع جميع المخلوقات. فالإسلام الذى أدخل امرأةً النار فى قِطة حبسَتها، وأدخل رجلاً الجنة فى كلب سقاه، لا يمكن أن يشرع الإيذاء البدنى أو النفسى لتهذيب المرأة. والخالق الذى كرَّم جبر الخاطر فجعله مرادفاً للتكذيب بالدين، وعاتب نبيَّه -صلوات ربى وسلامه عليه- فى أعمى زاره، لا يمكن أن يسن ضرب الزوجة للتهذيب، حتى لو كان بسواك.
نقرأ الآية الكريمة فى سورة النساء «واللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً»، لنجد أن الله تدرَّج فى تحديد أسلوب التعامل مع الزوجة المتعالية على زوجها، أو مَن تسىء عِشرته، فبدأ بالنصيحة، فإن أبَت فبهجرة الزوج لفراش الزوجية دون مفارقة البيت.. ثم كانت الوسيلة الثالثة بالضرب.
وهنا نتوقف لنتساءل عن معنى كلمة الضرب فى اللغة العربية، لنجد أنه يحمل أكثر من معنى، فوفقاً لـ«الوسيط» فهو يعنى: تحرك ونبض للقلب، واشتد للألم، وسبح فى الماء، ومضى للوقت. وضرب بين الناسِ، أى: أفسد بينهم. وضرب بالشىء عرض الحائط، أى: أهمله وتركه. وضرب حصاراً، أى: عزله، وضرب آباط الأمور، أى: أدرك بواطنها. وضرب الأرز، أى: قشره - ومنها تعبير «مضرب الأرز». وضرب البيض، أى: مزجه، وضرب النوم على أذنه، أى: غلبه النوم. وضرب بذقنه الأرضَ، أى: أطرق استحياء. وضرب العود، أى: عزف عليه. وضرب عنقه، أى: قتله. وضرب على الرسالة، أى: ختمها. وضرب الرجل فى الأرض، أى: ذهب وأبعد. وضرب الشىء، أى: هوى بيده عليه.
وهنا نتوقف مرة أخرى عند لفظ اضربوهن فى الآية الكريمة، لنتساءل: أى معنى لكلمة الضرب يمكننا تطبيقه عليها؟ أقول لكم إنه من واقع القرآن الكريم فإنه لا يستقيم معنى الإيذاء المطلق أو الرمزى للكلمة هنا، حتى إن النبى -صلوات ربى وسلامه عليه- لم يُعرف عنه أنه قد ضرب أياً من زوجاته حتى فى لحظات الغضب الشديد، فلم يضرب «حفصة» حينما نشرت حديثاً خصها به، ولم يضرب «عائشة» حينما أساءت إلى أىٍّ من زوجاته غيرةً عليه أو عندما علا صوتها عليه، بل ضربهن بمعنى الابتعاد والذهاب عنهن وهجرهن خارج البيت. وهنا بيت القصيد.
فمنطق ترتيب التعامل من قِبَل الزوج الذى يعانى نشوز زوجته أو تعاليها أو مخالفتها له، أن ينصحها، فلو أبت فليهجر فراشها وهو فى البيت، فلو أبت فليزِد من الابتعاد عنها بترك المنزل حتى تدرك معنى غيابه، وهو ما يتماشى والآية التالية لها التى تتحدث عن تصاعد العلاج بإرسال حَكَمٍ من أهل الزوج وآخر من أهل الزوجة. ولذا فيقينى أن الله لم يأمر بإيذاء الزوجة ولو رمزياً، لقد كان ذلك فكر أهل الصحراء، بدليل منع النبى للضرب فى المدينة، حتى جاءه «الفاروق» مطالباً بالسماح به حتى لا تستقوى عليهم النساء.
يا مولانا الطيب.. هل ترضى لابنتك أن يضربها زوجها لتهذيبها؟ وإن رضيتَ لها ذلك فهو شأنك، أما أنا فامرأة خلقها الله حرةً وعلَّمها أبوها كيف تصون كرامتها، فترفض الإهانة للرجل كما ترفض الإهانة للمرأة.. والله بينى وبينكم. استقيموا بالفكر وتحديث الخطاب يرحمكم الله، ولا تحرموا عقلاً أُمِرنا بإعماله.