بقلم : نشوى الجوفي
ماذا يعنى أن تكون إنساناً؟ مسألة غاية فى الأهمية لا يدركها جميع البشر حتى ولو كانوا من نسل آدم، رغم أن الإنسانية هى جوهر الرسالات السماوية التى نادت جميعها بالأخلاق بلا استثناء، وكانت الرسالة المحمدية تماماً لها، فقد بُعث صلوات ربى وسلامه عليه ليتمم مكارم الأخلاق.
ففى الوصايا العشر التى تلقفها نبى الله موسى من الله كانت العلاقة بالله ثم الإنسان هى الأساس الذى اعتمده المسيح فى العهد الجديد حين قال لمن آمن به «احفظ الوصايا». فتبدأ بعدم الشرك بالله أو القسم باسمه بالباطل، وتنتهى بتحريم القتل والزنا والسرقة وشهادة الزور والنظر لما فى عهدة أخيك الإنسان، سواء كان زوجة أو شيئاً منقولاً، وكذلك تحريم عقوق الوالدين وقطع الرحم. وهى ذاتها الأوامر التى تحدّث عنها الله فى سورة الأنعام من الآية 151 إلى الآية 153، وفى سورة الإسراء من الآية 22 إلى الآية 39.
ولهذا كانت الإنسانية هى القاعدة الأساسية التى حرص الله على أن يتحلى بها البشر بعد قضية الإيمان به سبحانه وتعالى، فيعلن إمكانية غفرانه للعبد فى حال تقصيره فى حقوق الله، ولكنه لا يسامح فى الجور على حقوق العباد. كانت رسالات ربى حاوية جامعة لحقوق الإنسان قبل المواثيق والمعاهدات والثورات، فكانت الأخلاق هى المبتدأ والمنتهى من الله.
ينسبون للثورة الفرنسية رفعها شعارات الحرية والأخوة والمساواة للمرة الأولى فى تاريخ البشر، بينما هى مبادئ الدين بعقائده المختلفة مع كل الرسل، صاغتها واتفقت عليها اليهودية والمسيحية والإسلام، لا لأبناء العقيدة أو المؤمنين بها فقط، ولكن للعالم أجمع، ولو كان كافراً ملحداً لا يؤمن بالله.. استمع لكلمات ربى توضح: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً» صدق الله العظيم. فالأصل واحد لآدم عليه السلام، والخطاب لكافة الناس من دون تحديد عقيدة أو إيمان أو كفر. هو أمر لكل الناس الموصولين برحم واحد هو رحم حواء، ليكون ما يفرق بيننا التقوى فى طاعة الله وتعاملنا مع بعضنا البعض. نعم الإنسانية هى الفارق لو أدركنا.
أتوقف عند حديث المصطفى الهادى حين يقول: «أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلُّهُمْ إِخْوَةٌ». أى إن كل البشر إخوة دون فارق فى لون أو جنس أو عقيدة، وما يجعلنى أقترب من هذا وأنفر من ذاك خُلقه وفعله فى الحياة مع البشر، أما تدينه أو كفره فلا يعنينى من أمره شىء فله رب يحاسبه إن أصاب أو أخطأ. فقابيل لم يقتل هابيل لأنه لم يؤمن بالله، بل حقداً واستعلاءً على أخيه الذى سعى أن يقدم لله أفضل ما لديه فتقبّله الله، بينما قابيل يرى فى نفسه الأفضلية وإن تقاعس عن السعى فلم يتقبل منه الله، فكان قراره بقتل أخيه ليحمل وزر العالم الذى سيسير على نهجه من بعده باتخاذ القتل بغير ذنب أو إثم سنّة. ومن يحدد الذنب والإثم؟ القانون والحاكم والقاضى، وهم أولو الأمر الذين ينظمون حياة الناس.
نعم يا سادة، تبقى الإنسانية هدفاً، فلنسعَ لها، ولنجعلها قانوناً يحدد علاقتنا بالناس والحياة. تحدد حكمنا على البشر بأفعالهم وأسلوبهم، ترشدنا فى دروب لا بد لنا من السير فيها فى زمن يسعى فيه الظلام لفرض سطوته. كونوا هابيل أياً كان اسمه فى عالمنا وحتى لو لم تتسموا باسمه، وارفضوا فعل قابيل وإن علا نفوذه فى الأرض.
كن إنساناً.