بقلم : نشوى الحوفي
ليس بحاجة لأن يُمنح التكريم الدولى أو العربى، فهو من منحنى الخيال صغيرة أنا ومعى ملايين الأطفال فى العالم العربى، عبر سطور حكاياته فى الجنة الخضراء التى لم يؤرخ فيها فقط لقصص الخيال، ولكن لروايات جسدت ورسخت القيم فى نفوسنا صغاراً. ورغم ذلك لم يخطر على بالى يوماً ما أن ألتقى رائد قصص الأطفال فى مصر والعالم العربى، وأجلس معه ويأخذ رأيى ويستمع لى وهو مَن هو، ولكن هكذا شاءت الأقدار.
ولكن كان لإعلان نادى «الكتاب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة» المُنشأ من قبل الأمم المتحدة ورابطة الناشرين الدولية، مؤخراً اختيار قصة الكاتب يعقوب الشارونى «ليلة النار» لليافعين كواحدة من بين أربع قصص على مستوى العالم لتحقيق هدف محاربة الفقر ودعم روح المبادرة لدى الصبية والناشئة، وقع الفرحة فى قلبى لأسباب كثيرة، لعل أهمها قيمة القصة ومضمونها الذى ينبغى الإنصات له.
فالقصة تدور أحداثها فى واحد من أفقر أحياء القاهرة، وهى منشأة ناصر حين يندلع حريق فى إحدى مناطقها العشوائية التى يسكنها باعة جائلون، ليبدأوا بعد إطفاء الحريق فى ليلة واحدة التفكير فيما عليهم فعله فى ظل الخوف من سلطة الحى التى قد تقوم بترحيلهم وطردهم، وسلطة من يريدون الاستيلاء على الأرض التى لم يعرفوا سواها أباً عن جد. ليشب فى وسط المناقشة صغيران من أبناء المنطقة، ويطرحا الفكرة التى تتلخص ببساطة فى احتياج الحى للتعاون فيما بينهم، ليستطيعوا قبل شروق الشمس إعادة تطوير المكان وإزالة آثار الحريق وبناء مساكن نظيفة من الخشب. فى البداية يرفض الكبار الاستماع لآراء الصغيرين لولا صوت العقل فى كبيرة الحى التى ترى إمكانية ذلك، فتقسّم الأدوار ويبدأ العمل.. وتكون النهاية مدهشة.
القصة لا تحمل فقط صورة الصغار القادرة على المشاركة فى رسم المستقبل وإعادة صياغته، ولا قيمة التعاون بين الجميع التى تدعم تحقيق الأحلام، ولكنها تحكى عن قيمة مهمة أخرى للغاية يكافحها العالم اليوم.. ألا وهى الفقر، فمن بين أهداف التنمية المستدامة المعلنة من قبل الأمم المتحدة فى عام 2014 هو مكافحة الفقر والقضاء عليه ومواجهته. ولكن القصة لا تتحدث فقط عن الفقر المادى، ولكن عن الفقر المعنوى والروحى وأنه الأقسى والأكثر تدميراً، لتدرك مع نهايتها حقيقة العبارة بأن الفقر ليس بفقر الفلوس، ولكن هو فقر النفوس غير القادرة على الإبداع وإيجاد الحل والمشاركة والتنمية والتطوير والخروج من دائرة الأزمة.
«ليلة النار» كتبها الأستاذ يعقوب الشارونى، رائد أدب الأطفال فى العالم العربى كله ورسمتها الفنانة سمر صلاح الدين، ورأى فيها نادى الكتاب الدولى، مع ثلاث قصص أخرى، أنها تغذى خيال الطفل وتدعم وعيه وتزوده بالإمكانيات الجديدة. كما رأى نادى الكتاب فى القصص المختارة أنها مهمة لليافعين والناشئة لعرضها مشكلات تعانيها فئات فى شتى أنحاء العالم بطريقة جذابة وبروح تدعو للتنمية والتطوير والتغيير للأفضل.
لا يحتاج المبدع يعقوب الشارونى، مع حفظ الألقاب فهو الأستاذ، وهو يجاوز العقد الثامن من عمره الطيب، كلمات الثناء منّى أو من غيرى على بصمته فى الحياة فى تربية ملايين الأطفال. ولكن له حق علينا بتقديم الشكر على عطائه الذى لا ينضب، وإبداعه الذى أثرى الفكر وطوّر الخيال ومنحنا القيمة. له حق علينا فى دعم مجهوده الذى التفت له العالم عبر العديد من الجوائز والتكريمات التى احتفت به وقدّرته. أعلم أنه لا ينتظر شيئاً فى سنه هذه، كما أعلم حرصه على مواصلة العطاء كشاب فى مقتبل العمر. ولكن حقّت له كلمة الثناء والتقدير.. شكراً يعقوب الشارونى، ومزيداً من الإبداع بعد «ليلة النار».