بقلم - نشوى الحوفى
دعونا ندافع عمّا تبقى لنا من وعى، لا لنُمجد حال ثورة كانت بالفعل علامة فارقة فى التاريخ الدولى، وليس فى تاريخ المنطقة وحسب، لكن لنعى ما كان عليه الحال فنفهم ما حققناه وما أخفقنا فيه فنتعلم من خطوات مشيناها باتت جزءاً من هوية إن ضاعت ضعنا. فلا نهون ولا نهول من إنجازات تحققت أو من إخفاقات مُنينا بها. فليس الهدف إرضاء المؤيد أو إثبات خطأ المعارض ولكن رؤية المشهد كما كان.
قامت «يوليو» بينما نسبة العاطلين فى بلادى 46% من تعداد المصريين. فى حين حملت آخر ميزانية لمصر قبل ثورة يوليو عجزاً قدرته التقارير بقيمة 39 مليون جنيه.
بينما نسبة الأمية تقترب من 90%. وفى وقت كان يعانى فيه أغلبهم من أمراض سوء التغذية والبلهارسيا أما نسبة المعدمين فكانت فى حدود 80%. ألم أقل لكم دعوكم من مشاهد سينما الزمن الجميل فهى إن منحتنا رقى الفكر والخلق فإنها لم تمنحنا كواليس الحياة على حقيقتها.
قامت «يوليو» وسبع دول عربية فقط هى التى تحظى باستقلال ظاهرى، بينما الواقع يؤكد سيرها فى ركاب الاستعمار بمعاهدات عسكرية أو أحلاف غربية لاحتلال عالمنا العربى. فساندت بلادى كل صوت حر طالب باستقلال بلاده. فمنحت السودان استقلاله بدءاً من معاهدة تقرير المصير عام 1953 وانتهاءً باستقلاله عن بريطانيا قبل مصر فى يناير 1956 رافضة ترك مصير السودان فى يد احتلال لم يعترف بهزيمته ليومنا هذا. ولم تترك مصر قضية فلسطين وتحملت الدفاع عنها فى العالم وحفظها ليومنا هذا. وحمت استقلال الكويت ورفضت تقسيم ليبيا إلى ثلاث دول وساندت تحرر المغرب وتونس حتى كان استقلالهما فى 1956. ودعمت ثورة الجزائر رغم ما دفعته من ثمن حتى كان استقلالها فى 1962 واستقبال زعمائها فى القاهرة. وكما كان الحال فى العالم العربى كان الحال فى أفريقيا فدعمتها بلادى فى كل مناحى الحياة. ولكن، هل كانت ثورة يوليو بلا أخطاء؟
بالطبع لا، كحال كل فعل بشرى. ولكن تقييم الخطأ يجب أن يتم أيضاً بمعايير زمنه وتاريخه لا بمعايير أيامنا التى نحياها. فنحن نرى أن توزيع الأرض على الفلاحين بواقع خمسة فدادين فتت الرقعة الزراعية. ولكن الثورة قامت لرفع الظلم عن كاهل تلك الفئة بملامح وقتها وقد كانت الاشتراكية ملجأ من عانى من الاستعمار والاستغلال. نعم أخطأت الثورة حينما أصرت على إلغاء كل اقتصاد خاص وعممت سياسة تأميم وحملت الدولة إدارة منشآت لا علاقة لها بإدارتها، ولكنها مرة أخرى أفكار الاشتراكية فى كل العالم وقتها. أخطأت الثورة حينما جعلت من الدولة الأب والأم للمواطن «تزوجه وتعلمه وتعيّنه وتسكنه وتمنحه غذاءه»، من غير ممارسة حقيقية لفكر المسئولية الفردية التى ما زلنا نعانى من غيابها إلى يومنا هذا. أخطأت الثورة حينما خاضت حروباً خارج حدودها دون تقدير لموقف دولى وإقليمى فكانت ورطة اليمن. وربما كان الخطأ الأكبر هو شعار أهل الثقة والأصدقاء وإغلاق أبواب التواصل عمن عداهم. ففقدت مصر كفاءات كان لها صوت النقد أو اختلاف الرؤى دونما إخلال بانتماء أو وطنية. نعم أخطأ عبدالناصر الرئيس حينما سمح لعبدالناصر الإنسان منح صديق عمره عبدالحكيم عامر مفاتيح سلطة وإدارة أثبتت الأيام أنه لم يكن أهلاً لها، وليتنا ندرك الدرس فنختار الكفاءة لا أهل الثقة والأصدقاء.
هكذا كانت 23 يوليو 1952 -رغم أخطائها- ثورة جيش حماها شعب فغيرت وجه التاريخ، لا وجه مصر وحدها.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع