جميل أن يصبح لدينا دستور متوازن وبرلمان يمثل جميع الفئات وأحزاب تسعى لأن تكون احزاباً ، وانتخابات نزيهة، لكن مجرد وجود المؤسسات لا يعنى اكتمال الديمقراطية فكراً وسلوكاً. العبرة بأداء هذه المؤسسات والعلاقات بينها وكذلك العلاقات بينها وبين الشعب إلى جانب المشاركة الجادة فى اتخاذ القرارات المهمة. مصر تعيش حالة مصيرية هى مرحلة انتخاب رئيس، مرحلة ليست سهلة خاصة فى دول منطقتنا حيث كثيراً ما تتغلب العاطفة والمشاعر أو المصالح على الاعتبارات الموضوعية، وحيث يحرص البعض على إرضاء من هم فى السلطة ويسعى البعض الآخر إلى تغييرهم إما لدوافع شخصية أو حزبية أو لمجرد الرغبة فى الشعور بالقوة والقدرة على التغيير. والانتخابات يسبقها الاختيار كلاهما مسئولية المواطن عليه التأنى فى الإختيار ثم المشاركة فى عملية الانتخاب لأعلى وظيفة فى الدولة، وظيفة مسئولياتها ضخمة لكنها تظل «وظيفة» يجب أن يكون الاختيار لها حسب القاعدة العلمية «الشخص المناسب فى المكان المناسب» وأضيف إليها فى الوقت المناسب. نقطة البداية إذن هى الصلاحية للوظيفة مما يتطلب تحديد مواصفاتها ثم القدرات والمؤهلات والصفات المطلوبة لهذا المنصب لاختيار من تتوافر فيه.
جيلنا عايش وعاصر عددا كبيرا من النظم السياسية والبرلمانات والرؤساء لكل منهم عيوبه ومحاسنه وتكونت لدينا الخبرة والقدرة على تحديد اعتبارات الاختيار بدرجة كبيرة من الموضوعية. يصبح السؤال: ما هى المواصفات المهنية والصفات المطلوب توافرها فيمن يشغل ذلك المنصب فى هذه المرحلة؟ نسرد بعضها بإيجاز ، هى بمثابة الوصايا العشر:
ـ نحتاج إلى شخص قادر أن يحقق لنا الأمن والاستقرار الذى بدونه لا يمكن تحقيق أهداف الشعب وآماله. له مكانته واحترامه بصفة عامة وخاصة مع أجهزة الأمن.
- يؤمن بالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة وليس هناك أى احتمال أن يعقد اتفاقيات مع من يريدون غير ذلك من أجل الحصول على أصواتهم، وليس له ارتباط أو اتصال أو تفضيل لأى دولة، وولاؤه للوطن دون سواه.
ـ يسعى إليه المنصب، لا يجرى هو وراءه. زاهد فيما يقدمه المنصب، هدفه أن يقدم للمنصب والوطن الكثير. وأثبت ذلك ليس بالقول لكن بالفعل والعطاء المادى والمهنى.
ـ أثبت القدرة على الإنجاز. له خبرة فى تنفيذ المشروعات التى يحتاجها الوطن والشعب وتحويل التصريحات إلى واقع نعيشه.
ـ أثبت أنه يضع مصلحة الوطن والشعب وكرامة المواطنين ومستقبل الأجيال القادمة فوق اعتبارات الشعبية أو الصداقة. يحترم شعبه ولا يعطيه آمالاً كاذبة أو غير واقعية.
ـ يكون قدوة لجميع فئات الشعب يعطى المثل مما يعنى أن يكون سجله المهنى والشخصى والأسرى دون شوائب.
ـ متدين، فالإيمان يضىء الحياة ويسهم فى ترشيد القرار، على أن يكون قائماُ على التعاليم الصحيحة للعقيدة دون تطرف.
-لا تحيط به أسرة أو حاشية تستغل السلطة لمكاسب مادية أو سياسية أو لمجرد الأبهة الاجتماعية.
- لديه مناعة تحميه من أمراض الكرسى، وهى «الداء» الذى يصيب من يجلس عليه فيؤثر على شخصيته وقراراته واختياراته وسبق أن كتبنا عنها مقالاً.
-لمس وعايش وأدرك الواقع الذى نعيشه فى مرحلة صعبة نواجه فيها الأعداء من الخارج والداخل، يدرك أبعادها، لمس حتمية التوفيق بين ما هو مطلوب وما هو متاح. مرحلة فيها الآمال والتوقعات تتزايد والموارد تتناقص، يتفاقم الطلب بسبب انفجار سكانى خطير بينما الإنتاج لا يزيد بل يقل. مرحلة نحتاج فيها لمن يدركون ويشعرون بآمال الشعب ومشاكله ولهم القدرة على التعامل معها بصبر وحنكة وصراحة وشفافية.
أما الصفات المطلوبة فأهمها النزاهة ورفض الفساد باشكاله، إذا وعد أوفى، لا يهادن ولا يعقد صفقات مع من يسيئون لمصر، لديه رؤى والقيادة هى الرؤى، يؤمن بما تستحق مصر من مكانة وقيمة فى المنطقة والعالم. يحافظ على كرامتها ويشّرف كل مواطن دوليا، الجدية والانضباط وحب العمل بما يسهم فى نشر ثقافة حب العمل التى نفتقدها كثيراً ونحتاجها جداً. يشعر بالمحبة الصادقة لجميع المواطنين ويساوى بينهم بلا تفرقة.يحترم الاختلاف ويتحمل النقد ويترفع عن محاسبة أو معاقبة خصومه حتى من ينشرون الأكاذيب عنه لكنه يرفض تماماً أى إساءة لمصر، هادىء الطبع يحاور دون انفعال يفضل الفكر والأداء على الحناجر والتصريحات.
هذه أهم القدرات والصفات الأساسية التى يجب أن يطالب بها بل يصر عليها كل مواطن. هناك صفات أخرى إضافية تختلف حسب اهتمام وأولويات كل مواطن لدىّ شخصياً منها الكثير لم أسجلها حرصاً على إبقاء المقاييس العامة الموضوعية.
المرشحون للرئاسة دائما، وفى كل الدول ثلاثة أنواع: هم إما يصلحون للمنصب وإما هناك احتمال أن يصلحوا له وإما لا يصلحون له إطلاقاً، وفى بعض الدول سمعنا عمن يرشحون أنفسهم كمسرحية هزلية أو من يسعون للشهرة. التنافس على الترشيح يجب أن يكون متاحاً للجميع وجاداً. كثرة اعداد المرشحين ليست بالضرورة امراً ايجابياً فهو يؤدى إلى تشتيت الأصوات المتجانسة ويزيد احتمالات الإعادة مع ما بها من تكاليف ونفقات وجهد وطاقة من الأولى أن تنفق فى خدمات للشعب وأياً كان عدد المرشحين فإن عملية الاختيار للترشيح لابد أن تؤخذ بجدية وحسب معايير محددة تحقق الصالح العام. وتختلف نظم الترشيح والترشح من نظام لآخر ومن دولة لأخرى وفى مصر دستور أعطى المواطن حق الترشح بشروط معينة يتساوى فيها الجميع كما أعطى المواطن حق المساهمة فى اختيار المرشح وذلك عن طريق نواب الشعب أو دعم 25 ألف مواطن، والأمر منطقى، فالمرشح الذى لا يمكنه الحصول على دعم 25 ألف توكيل لن يكون الأصلح لتولى أمور مليون مواطن، المهم هنا أن تكون عملية التوكيلات محايدة لا تتحيز لمرشح محتمل دون آخر. خريطة المرشحين فى مصر لم تكتمل معالمها بعد واياً كانت نتائجها فإن الصالح العام والمرحلة الصعبة التى يمر بها الوطن يفرض علينا الموضوعية والجدية ومراعاة المصالح الوطنية سواء فى مرحلة اختيار من ندعم للترشح أو لمن نعطى اصواتنا .. وفقنا الله وحفظ مصر.
نقلا عن الاهرام القاهريه