فى تقديرى المتواضع، تصلح الأقصر أن تكون العاصمة الثقافية للعالم ليس فقط لمصر. هذا الاعتقاد ليس عاطفياً أو شعورا وطنيا فحسب، بل له مبررات واسباب تقوم على حقائق موضوعية تاريخية ومعاصرة.
اختيار دولة ما لإحدى المدن لتكون عاصمة ثقافية ليس بدعة وهناك من الدول ما لديها عاصمة سياسية وأخرى تجارية أو إدارية. اختيار مصر أن يكون لها عاصمة ادارية لها أكثر من فائدة. فهى تخفف العبء عن القاهرة ومن يعيشون بها وعلى الأداء الحكومى وعلى البيئة كما أنها تعطى مثلاً لما يجب أن تكون عليه المدن التى تليق بمصر.إنها رسالة تقول نعم نحن قادرون على بناء مدينة تصبح قدوة تعيد للمواطن ثقته، وعلى تطوير المدن الأخرى التى كادت تكون متداعية. والأقصر عاصمة مصر الثقافية يمكن أن تكون من أجمل بلاد العالم ومدينة نموذجية إذا ما أخذت الأولوية التى تستحقها ووفرنا لها الموارد والإمكانات اللازمة وهى ليست بعيدة المنال وسبق أن جعل المحافظ عادل لبيب من قنا «سويسرا الشرق».
الأقصر واحدة من أهم المدن التاريخية والأثرية وذلك رغم اختلافت علماء الآثار حول نسبة ما تضمه من معالم تاريخية إذا ما كانت تمثل ثلث أو ربع آثار العالم. تظل شاهدة على عظمة التاريخ والعلم والفن المصرى القديم بمختلف عصوره تضم بالإضافة إلى الآثار الفرعونية اثارا رومانية ويونانية وقبطية وإسلامية فى نفس المكان. يرجع تأسيسها إلى عصر الأسرة الرابعة، نحو 2575 ق.م أصبحت عاصمة لمصر فى عصر الأسرة الحادية عشرة على يد الفرعون منتوحب الأول وظلت العاصمة حتى الأسرة الحادية والثلاثين وسقوط حكم الفراعنة.
عُرفت الأقصر عبر العصور المختلفة بالعديد من الأسماء، ففى بدايتها كانت تسمى مدينة «وايست» أطلق عليها مدينة المائة باب، ومدينة الشمس، ومدينة النور، أطلق عليها الرومان اسم طيبة. وبعد الفتح العربى لمصر، أطلق عليها العرب اسم «الأقصر» وهو الجمع لكلمة قصر حيث كانت تحتوى على الكثير من قصور الفراعنة.
تقع على ضفاف النيل الذى يقسمها إلى شطرين اعتبر المصريون القدماء الشاطىء الشرقى دار الحياة فيها يسكنون ويعيشون ويذهبون للتعبد فى المعابد واعتبروا الغرب دار الممات لقبورهم التى شيدوها بالأحجار لأنها أبدية بينما القصور بنيت من الطوب اللبن لأنها مؤقتة لذلك لم يتبق منها ما يذكر فى حين بقيت المعابد التى يوجد منها نحو 15 من أهم المعابد المصرية. من أجملها معبد الأقصر الذى يقع فى وسط المدينة وأكبرها الكرنك مجمع المعابد التى لا نظير لها بنيت على مدى 1500 سنة.وتضم معابد الإلهة آمون وزوجته الإلهة موت وابنها الإله خنسو إله القمر وهناك أيضا طريق الكباش وهو طريق الاحتفالات الذى يصل بين المعبدين ويعد الطريق الدينى الوحيد فى العالم.
أما البر الغربى فيضم معبد هابو الذى يعد أضخم بناء لملك مصرى بقى سليما حتى الآن وهو من أكبر المعابد الجنائزية التى خصصت لتخليد ذكرى الفراعنة فى الدولة الحديثة وبه وادى الملوك حيث مقبرة توت عنخ أمون. ودير المدينة ويضم مدينة قبور العمال الذين أقاموا مقابر وادى الملوك واستحقوا التكريم.
الأقصر تتوافر لها جميع مقومات العاصمة الثقافية فهى إلى جانب تاريخها وتراثها وأثارها الفريدة تقع وسط وادى النيل. تحتوى على متحفين: متحف الأقصر ومتحف التحنيط وهو الأول من نوعه فى العالم يضم 150 قطعة ما بين مومياوات وتوابيت وأدوات التحنيط. وهى المقصد الأول والرئيسى لكل البعثات الأثرية من مختلف دول العالم. مركز الأقصر للتراث يقدم عرضا ضخما عن بانوراما التاريخ المصرى. وهى تتميز بجو مشمس وبطبيعة خلابة، مشهد مياه نهر النيل عندما تحتضنه الاراضى الخضراء على الجانبين لتحميها الجبال يشكل صورة خلابة.
وكونها أهم المقاصد السياحية فى العالم أسبغ على أهلها طبيعة خاصة تتميز بكرم الضيافة وحسن استقبال الزائرين لها. المحافظ سمير فرج له مشروع متكامل لتطوير المدينة وتجميلها وتحويلها إلى أكبر متحف مفتوح فى العالم بها المركز النوبى للتراث وآخر لبنات الأقصر لتعليم الأعمال اليدوية والحرفية.
بها مركز استعلام سياحى متكامل، ومطار دولى يستقبل الطائرات من كل أنحاء العالم. بها محطة سكة حديد من أقدم وأجمل محطات السكك الحديدية فى مصر. يقام بها مهرجان للسينما الإفريقية أثبت نجاحه دولياً. ولها اتفاقيات تآخ مع 8 مدن آسيوية وأمريكية وأوروبية ولاتينية، بها عدد من الفنادق ودار ضيافة للشباب ومركز مؤتمرات ومكتبة والأقصر كما أنها تزخر بعدد من دور العبادة للمعتقدات والمذاهب المختلفة تقف شامخة جنباً إلى جنب بجوار دور العبادة الفرعونية.
تاريخ الأقصر وثراء ما يحتوى من تراث مفروض أن يعرفه كل مصرى وكنت أظن ذلك إلى أن اكتشفت فى حوار مع بعض الشباب أنهم لا يعرفون تاريخ بلادهم الذى عليهم الإعتزاز به وحمايته.
لذلك أسرد هنا هذه البيانات عن الأقصر وآثارها بكل فخر واعتزاز حتى نتذكرها وتصبح جزءا من وجداننا تجمع بيننا وتحمينا من ارتكاب ما يسىء الى الوطن.. تراث لا نعطيه قدره فى الوقت الذى تشكلت فيه جماعة دولية من ملوك وأمراء وعلماء وكتاب وسياسيين وشباب يطلقون على أنفسهم «أصدقاء الأقصر». يعملون على التعريف بتراثها واثارها، يشجعون زيارتها والاستثمار فيها والمساهمة فى مشروعاتها الصغيرة والكبيرة. يهتمون بحماية كنوز التاريخ التى تحتضنها الأقصر وتدعو لاعتبارها دوليا «محمية» ومنطقة محايدة خارج جميع الصراعات.
هذا الإقتراح بأن تكون الأقصر عاصمة مصر الثقافية تقدمت به من قبل لكن لم يلق اهتماماً. أتمنى أن يلقى قبولاً هذه المرة أسوة باقتراحات أخرى طرحتها، وآمال كانت أمنيات لكنها لم تتحقق إلا خلال السنوات الثلاث الماضية. وهى كثيرة لها قائمة طويلة قد أسردها يوماً. حفظ الله مصر ومن يحققون آمال شعبها.
نقلا عن الارام القاهرية