بقلم-طارق الشناوي
الإذاعة المصرية يبدو أنها لا تزال تضع الشيخ إمام فى القائمة السوداء بدليل أنهم احتفلوا أمس فى محطة الأغانى، بذكرى المطرب عبده السروجى الأربعين وتجاهلوا الإشارة تماما ومع سبق الإصرار لذكرى الشيخ إمام عيسى الثالثة العشرين .
أنا طبعا لا أقلل من تاريخ السروجى الذى اشتهرت له أغنية (غريب الدار علىّ دار زمانى القاسى وظلمنى)، وهو جد أحمد السقا، قطعا الاحتفال بعبده السروجى لا علاقة له باسم حفيده الذى يقف على قمة نجوم السينما المصرية، ولكن لأنه فى قائمة الأسماء الآمنة التى لا يجد الإعلام بأسا من الإشارة إليها، حتى لو لم تحقق نجاحا جماهيريا ضخما، السروجى الذى عاش فى جيل المطربين محمد عبدالمطلب وعبدالعزيز محمود وعبدالغنى السيد وغيرهم لم يقدم رصيدا غنائيا موازيا لهؤلاء وما تبقى فى الذاكرة لا يزيد على (غريب الدار).
الشيخ إمام مع توأمه أحمد فؤاد نجم اخترقا حواجز المنع وواكب ظهورهما الكاسيت الذى كان هو طوق النجاة، من لا تعتمده الإذاعة يصبح كأنه لم يكن، إلا أن النغمة والكلمة الصادقة امتلكتا القدرة على النفاذ عن طريق الكاسيت مصريا وعربيا.
المفروض أن الممنوعات انتهت، ولكن فيما يبدو أن التعليمات مع الأسف لا تسقط بالتقادم ويتوارثها الإعلام الرسمى من جيل إلى جيل، مهما تغيرت الظروف، لأن الموظف فى الإعلام ينتظر إشارة واضحة.
أنا لا أظن أن تناول إنجاز الشيخ إمام اليوم يتعارض مع التوجه السياسى، ولكن إعلامنا الرسمى الذى تعود النفخ فى الزبادى يطبق فاعدة «أخذا بالأحوط».
كثيرا ما أسأل نفسى: ما هى أحاسيس فنان يعيش فى الظل يتمتع بموهبة حقيقية، ويتابع الآخرين يحققون النجاح ويحصدون الأموال بينما هو ربما لا يجد مكانا يؤويه ولا لقمة تسد رمقه ولا هدمة تستره، ألا يستشعر فى لحظات أن ما يدافع عنه من قيم ومبادئ لا تستحق كل تلك التضحيات؟ من المؤكد أن الشيخ إمام لم يستسلم أبدا لهذا الخاطر.
كان من الممكن ان يدخل الشيخ الضرير إمام عيسى فى زمرة الملحنين الذين تعترف بهم الأجهزة، الإذاعة المصرية كانت تملك كل شىء ولا يمكن أن نرى صوتا أو كلمة أو لحنا إلا ويسبقه (ختم النسر).. إمام ظل واقفا على الشاطئ الآخر.
استطاع بألحانه أن يجد طريقا مغايرا ليغنى له الطلبة فى المدراس والجامعات ويرددها الناس فى الشارع، فهو يقدم ألحانه للمطحونين، بينما هناك من يلحن فقط للناس الرايقة، ألم يفكر أحد من المطربين الكبار فى التعامل مع الشيخ إمام؟ لقد نهلوا من أشعار توأمه نجم، وغنى له كثير من المشاهير باستثاء عبدالحليم الذى لم يكن لأسباب خاصة يفضل الغناء لنجم برغم حماس كمال الطويل، فلقد كان نجم زميلا لعبدالحليم فى الملجأ وهى الصفحات التى لم يكن حليم فى حياته يريد استعادتها.
إمام ملحن عصامى تعلم العزف فى شبابه بعد أن حفظ قسطا وافرا من القرآن، كان يبحث عن الكلمة التى تحرك إبداعه، هموم الوطن تتعانق مع أنغام عوده، اللحظة السياسية التى عاشها منذ الستينيات والسبعينيات تناولها فى أغانيه، إلا أنها انطوت على شىء أبعد متجاوزة الظرف الزمنى، بدليل أن أغانيه لا تزال تملك النبض والحياة حتى الآن.
لم ألتق الشيخ إمام ولا مرة، ولكنى مستمع جيد لأنغامه؛ فهو صاحب جملة لحنية خاصة ومميزة، له بصمة شعبية تصل للقلب، به شىء من العمالقة سيد درويش وزكريا أحمد ومحمود الشريف، دفع الثمن فى حياته فلماذا يدفعه مجددا بعد رحيله، ولا تزال أنغامه تهرب من فوق الإعلام الرسمى لتسكن قلوبنا!
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع