بقلم - طارق الشناوي
فى (أسبوع النقاد) وفى المسرح الصغير، مساء أول أمس، كنت أشاهد فيلم (امرأة فى حرب) ممثلا لثلاث دول أيسلندا أوكرانيا وفرنسا، هذه هى السينما فى أحلى لحظات التجلى، وهو ما أراه لائقا لقسم يبحث عن الجديد، يستحق بلا أى جدال هذا الفيلم الجائزة، بينما كان فى المسرح الكبير وسط ضجة إعلامية وصحفية ضخمة يعرض الفيلم المصرى (جريمة فى الايموبيليا)، وله نصيب من اسمه، فهو جريمة سينمائية متكاملة الأركان، لا يستند إلى أى قيم جمالية من الممكن أن تؤهله للعرض بالمهرجان.
فى تلك المساحة الضيقة المتاحة أمامى فى النشر، أقول لكم إن الفيلم الأيسلندى ليس فقط هو الأقرب للجائزة داخل مهرجاننا، ولكنه سيقترب أيضا لأوسكار أفضل فيلم أجنبى هذا العام، فى الحد الأدنى إذا لم يقتنص (الأوسكار)، سيصل لقائمة (الخمسة). لماذا كل الحفاوة بالفيلم؟ لأن السينما لغة تبدأ من لمحة الفكرة وتفردها، ثم انطلاقها فى عدة خطوط متعددة، أيضا المستويات الفكرية والنفسية التى يمنحها المخرج لجمهوره، وهكذا نرى البطلة وكأنها (دون كيشوت) الذى كان فى الرواية العالمية الشهيرة يصارع طواحين الهواء، تلك المرأة تسعى بالقوة لفرض عودة نقاء الطبيعة التى نغتالها جميعا، بحجة البقاء بينما نحن نعجل بالفناء، ثم تتوازى الأفكار واللمحات فى الشريط السينمائى بالكادر واللون والموسيقى، المرأة تبدأ المواجهة بـأن تحصد أعمدة الألومنيوم، وتطاردها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، تظهر فى حياتها فتاة صغيرة تصبح هى حياتها القادمة، الروح التجريبية تشع كوميض سحرى فى التفاصيل، وتتغلغل أغنيات الفولكلور التى هى مرادف صوتى أيضا للنقاء وتدعمها ملابس أيضا (فولكلورية) تحاكى ألوان (قوس قزح)، ملحمة سينمائية، يقودها الكاتب والمخرج بينديكت ارلينجسون بكل اقتدار وقدرة وتفرد.
كنت قد شاهدت من قبل الفيلم المصرى (جريمة الإيموبيليا) عند العرض المحدود، الذى أقامته إدارة المهرجان، (الإيموبيليا) يخاصم السينما، برغم أن المخرج والكاتب مخضرم وله العديد من الأعمال الفنية اللافتة فى بداية مشواره تحدث عن خالد الحجر، إلا أنه فى ظل ميزانية محدودة يصنع فيلما محدود الفكر والطموح الفنى، رغم أنه لا توافق بين هذا وذاك، لدينا فيلم تشويقى يعوزه التشويق، من خلال شخصية مأزومة نفسيا تعانى من الاكتئاب والهلاوس، هانى عادل. كانت مصر كلها تترقب برنامج (من الجانى)، والإذاعة تحرص على عقد مسابقة على الهواء بعد الاتصال برقم (46120)، تتعدد الاتهامات، بين أكثر من شخصية، تمتع البرنامج بأسلوب تشويق جاذب، وأول بند هو ألا تستمع لنفس المعلومة أكثر من مرة، بينما الفيلم الذى كتبه أيضا المخرج يكرر المعلومة أكثر من مرة، يدخل كطرف فاعل ومؤثر صديقه وجاره طارق عبد العزيز، والبواب، وأيضا على الجانب الآخر تلك الفتاة التى يتعرف عليها عن طريق (السوشيال ميديا) المفروض أنها فتاة مثيرة، هكذا يرى المخرج بطلته المفضلة ناهد السباعى وهى بلا شك موهوبة، ولكن رغبتها وأيضا توجه بعض المخرجين وعلى رأسهم الحجر فى تقديمها فى دور الأنثى المثيرة أراه متجاوزا ما تتمتع به حقا من إمكانيات، يمر الفيلم متثاقلا، وكأنه قطار فقد الوقود وخرج عن القطبان.
أنا مع توجه بات يفرض نفسه على قطاع عريض من السينمائيين وهى السينما محدودة التكاليف، وفى العادة تختصر بند الأجور، ولكنها أبدا لا تختصر بند الإبداع!. الفيلم يعرض رسميا فى مهرجان القاهرة بأمارة إيه؟ من لديه أمارة يرسلها فورا!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع