بقلم : طارق الشناوي
تحظى برامج «النميمة» التي انتشرت في رمضان بالقسط الأكبر من اهتمام الناس. بعض المشاهير يكشفون المستور، والناس يزداد تطلعها وتنتظر ما بعد المستور. النهم لا سقف له. إنه يذكرني بسباق تخطي الحواجز، دائماً هناك ترقب لقفزة أبعد. طبعاً من الممكن أن تنتهي بتعثر المتسابق، في حاجز أعلى لم يستطع تخطيه، وهذه في الغالب تُصبح نهاية البرنامج.
هذه النوعيات كشفت عن ازدواجية في البيت العربي بين هجوم واستهجان منقطع النظير لما يشاهدوه، وعلى الجانب الآخر ستلحظ درجة ترقب أيضاً منقطع النظير للمشاهدة، وإذا أغلقت التلفزيون ستجد أن الفقرات الساخنة تطالعك على «السوشيال ميديا»، أو في جلسات المساء، والصحافة تلتقط الخيط، وتعيد الحكاية بعد أن تضيف إليها مذاقاً أكثر سخونة، في حكايات القسط الوافر منها مختلق، ولكنها ترضي في النهاية نهم المتلقي.
ما الذي يعنيه أن نتابع فلاناً المطرب الملحن، الذي أصبح عاشقاً للشهرة والكاميرا، متنقلاً من قناة إلى أخرى ومن برنامج إلى آخر، وهو يبيع أدق تفاصيل حياته الشخصية مع زوجتيه الفنانتين الشهيرتين اللتين بالمناسبة كانتا من أعز الأصدقاء، ثم اكتشفنا أثناء الحوار أنه أيضاً لا ينسى زوجتيه من خارج الوسط الفني، ويبيع في هذه الحالة أسراره الزوجية الرباعية؟!!.
هل هناك كود أخلاقي سيحول دون كل ذلك؟ عدد من الأجهزة والهيئات واللجان تطالب بهذا «الكود» الصارم الذي يحدد ما يجوز أو لا يجوز تداوله. يقيناً من الصعب تحقيق ذلك، فالأمر قطعاً يبدو نظرياً لا غبار عليه، إلا أن كل مجتمع له قواعده الخاصة كما أن كشف التفاصيل ليس وليد هذا الزمن. لقد سبق مثلاً للكاتب الكبير محمد التابعي الذي كان يحمل لقب أمير الصحافة المصرية، وأن كتب قبل نحو 70 عاماً عن المطربة أسمهان، والمعروف أنه قد ربطته صداقة وطيدة معها وأيضاً شقيقها فريد الأطرش. الكثير مما ذكره التابعي يدخل في إطار النميمة، مثلما كان يقول عنها: «لا تستطيع أن ترى الكأس وهو فارغة ولا تستطيع أن تراها وهو ملآنة». كثير من التفاصيل الخاصة جداً كان يذكرها ببساطة، وكأنه يروي لنا عن أغانيها المفضلة. وضع محددات على هذا النحو ومهما بلغت من منطقيتها سيتم اختراقها حتماً.
برامج النميمة ليست وليدة هذه الأيام فهي متوفرة دائماً وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، وصحافة «الباباراتزي» كانت وستظل شاهدة على ذلك، الفارق أن هؤلاء الصحافيين يتلصصون على حياة الشخصيات العامة والمشاهير ويلتقطون لهم صوراً يتم استفزازهم من خلال نشرها، وكثيراً ما أقيمت ضدهم قضايا بسبب هذا التلصص الذي يجرمه القانون في كل بلاد الدنيا، ولكن ما نراه هو أن المشهور نفسه، هو الذي يلعب دور «الباباراتزي» فهو الذي يلتقط لنفسه الصور «سيلفي»، ويقدم حكايات شخصية جداً، ربما لا يعرفها أحد سوى أطرافها فقط، ويعجز حتى على هؤلاء الصحافيون المتلصصون الحصول عليها.
لا شك أن واحداً من أهم أسباب الاهتمام بتلك النوعيات من البرامج هذا العام، حالة الضعف الدرامي الذي عاشه جزء كبير من المسلسلات المصرية. في السنوات الماضية كان ينشغل الناس بالحديث عن المشاهد التي تابعوها ويتناولون مصير الأبطال وما حل بهم، إلا أنه بعد أن خفت الحضور الدرامي صار الحديث عن الحياة الشخصية هو ما يستفز الناس بالمتابعة فصار للنميمة، ومع الأسف الشديد، ثمناً ومريدين!!.