بقلم - طارق الشناوي
رغم أن أبوبكر شوقى وفيلمه الاستثنائى (يوم الدين) استحوذ على المشاعر ولاتزال توابعه تتردد فى أجواء المهرجان، إلا أنه لم يحظ بعدد مواز من الإشادة النقدية فى المجلات التى تواكب عادة بإصدارات خاصة فعاليات المهرجان، صحيح أنه لم يتلق ضربات قاسية مثل عدد من الأفلام الأخرى، وبينها مثلا فيلم الافتتاح (الكل يعرف) لأصغر فرهدى، إلا أن التوجه الرقمى الذى من الممكن متابعته من خلال مجلات مثل (سكرين) و(فيلم فرانسيز) و(فاريتى) وغيرها، لم يشهد لصالح الفيلم، سنجد أفلاما أخرى حصدت أرقاما أعلى مثل البولندى (الحرب الباردة) باول بوالكوفسكى والفرنسى (صورة الكتاب) جان لوك جودار، يجب التعامل مع هذا المؤشر بحذر شديد وعدم الاستسلام المطلق له، فهو لا يعد أحد مصادر لجان التحكيم فى التقييم.
من خلال متابعتى للمهرجان طوال أكثر من 25 عاما، تظل للجان التحكيم قناعاتها الخاصة، وكثيرا ما انحاز التقييم الرقمى إلى أفلام بعينها، ولا تجد لها أى أثر يذكر عند إعلان الجوائز، فى العادة لا يتجاوز عدد النقاد رقم العشرة، وهم لا يجتمعون للمناقشة والاختيار ولكن كلا منهم يمنح الفيلم رقما أو علامة تتراوح بين صفر وأربعة، أى أننا بصدد خمسة تقييمات وفى النهاية يكتب المتوسط بعد جمعها، وتكتشف أن التناقض يصل فى بعض الأحيان للذروة، مثلا تقييم (سكرين) يُكذب تماما مع ما انتهى إليه (فيلم فرانسيز). وتظل فرص فيلم (يوم الدين) قائمة فى المسابقة الرئيسية، لأنه لا يشبه فيلما آخر وهذا هو ما يجعله مرشحا بقوة لجائزة لجنة التحكيم الخاصة، فى نفس الوقت لديه فرصة فى مسابقة (الكاميرا دور) الكاميرا الذهبية التى تُمنح للعمل الأول.
مهرجان (كان) منح العرب تلك المساحة فى كل التظاهرات لا أتصورها بالمناسبة تعبر عن توجه سياسى، ولكنها استندت إلى قيمة فنية، بدليل تلك الحفاوة وهذا الترقب الذى حظيت به الأفلام العربية عند عرضها وآخرها اللبنانى (كفر ناحوم) الذى عُرض مساء أمس إخراج نادين لبكى، التى صارت واحدا من أهم عناوين السينما العربية فى العالم، منذ فيلميها السابقين (كرامل) (هلا لوين)، اللذين انطلقا أيضا من ( كان) خلال تظاهرات موازية للمسابقة الرسمية.
العالم العربى يمنح لمهرجان (كان) حالة خاصة جدا وضخمة من الاهتمام، حتى إن النقاد العرب ومنذ العام الماضى حرصوا على أن يقدموا الجائزة التى يتبناها مركز السينما العربية فى (كان) على هامش فعالياته، وفى تلك الدورة حصد فيلم (واجب) الفلسطينى إخراج آن مارى جاسر ثلاث جوائز أفضل فيلم وأفضل سيناريو وأفضل ممثل محمد بكرى، بينما أفضل مخرج زياد الدويرى اللبنانى عن الفيلم المثير للجدل (القضية رقم 23)، أفضل ممثلة مريم فرجانى عن فيلم التونسى (على كف عفريت) وأفضل فيلم وثائقى (طعم الأسمنت) سورى لبنانى. وعندما تحصل مارى جاسر على تلك الجوائز الثلاث الرئيسية، فهذا ولاشك لا يعنى سوى أنها كانت جديرة أيضا بجائزة أفضل مخرج. شارك فى التصويت نحو 62 ناقدا عربيا وأجنبيا، وبلا مناقشات تتم بين الأعضاء، ولكن التقييم عددى، لا أحد يختار الفيلم الفائز من خلال جواز السفر، بدليل أن عدد النقاد المصريين المشاركين فى التصويت هم الأكثر عددا، بينما خرجت السينما المصرية خاوية الوفاض هذا العام لأنها كانت تستحق، بينما فى العام الماضى حصدت تقريبا كل الجوائز لأنها كانت أيضا تستحق.
الإعلامى والناقد الكبير يوسف شريف رزق الله تم منحه جائزة (الإنجاز) وكأنها تسعى هى للفوز به، جائزة تقديرية عن مجمل عطائه. رزق الله حكاية سينمائية من الطراز النادر العصى على التكرار، متعه الله بالصحة والعافية، لا يوجد أحد أحب السينما، خاصة الأجنبية، إلا وستجد أن يوسف شريف رزق الله قد ساهم ببرامجه المتعددة عبر التليفزيون منذ بداياته، فى النصف الثانى من الستينيات، فى إثارة الإحساس بالشغف، وفى تقديم الإجابات على مختلف الأسئلة، وثقافته وتاريخه يجعلانه أيقونة المهرجانات السينمائية فى مصر والعالم العربى. تكريم يوسف شريف رزق الله يحمل فى أعماقه تكريما لقيم التواضع والعطاء، فهو حتى تلك اللحظة لا يدرك أنه يستحق منا كل هذا التكريم وكل هذا الحب، وما هو أكثر من التكريم والحب.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع