بقلم - طارق الشناوي
فجأة اكتشفت أن الفارق وصل إلى 21 عاما، شاهدت فيلم (المصير)، أمس، مجددا داخل فعاليات مهرجان (كان) فى دورته رقم 71، بينما كنت قد شاهدته رسميا بالمهرجان لأول مرة فى الدورة رقم 50، والتى أقيمت عام 1997.
من المستحيل ألا ألبى تلك الدعوة التى وجهها لى الأخوان ماريان وجابى (خورى)، لحضور تلك الاحتفالية التى أقامها المهرجان لفيلم (المصير) بعد إعادة ترميمه وعرضه فى القسم الذى يضم الكلاسيكيات السينمائية على الشاطئ (لا بلاج)، كنت قبل 21 عاما فى بدايات تواجدى بالمهرجان حاضرا والمهرجان يحتفل باليوبيل الذهبى على إنشائه، وهو يستعد بعد أربع دورات للاحتفال باليوبيل (الماسى)، عرض المصير اعتبر بكل المقاييس وقتها حدثا استثنائيا، صحيح أن يوسف شاهين كانت له مشاركات عديدة بأفلامه منذ مطلع الخمسينيات، والتى بدأت بفيلمه (ابن النيل)، ولكن الرسالة الفكرية التى يحملها (المصير) كانت مبشرة وأيضا مبكرة، حيث توقف أمام فلسفة ابن رشد التنويرية التى تفصل تماما الحكم الدينى عن الدنيا، فى ظل تراجع كنا نشهده ولا نزال نتجرع نتائجه الكارثية حتى الآن.
الفيلم أمسك بهذا الخيط الشائك، والغريب فى الأمر أنك لو أمسكت بـ(كتالوج) تلك الدورة من المهرجان لن تجد أبدا أى إشارة للمصير داخل المسابقة الرسمية، الاتفاق فى البداية هو عرضه رسميا ولكن خارج التسابق، إلا أن الصين كان سيعرض لها فيلم داخل المسابقة اعترضت الدولة رسميا على عرضه لأسباب سياسية، ولم يتمكن المخرج من إرسال النسخة، ولا السفر، فقررت إدارة المهرجان، والتى كان يرأسها وقتها جيل جاكوب، نقل الفيلم المصرى من العرض على هامش المسابقة إلى المسابقة، وبالطبع أثار هذا القرار سعادة يوسف شاهين وأفردت له الصحافة المصرية والعربية مساحات تليق بالحدث.
من الواضح أن يوسف شاهين كان قد همس إليه أحدهم بشكل أو بآخر بترشحه لجائزة بالمهرجان سيحصل عليها فى المساء.
وبالفعل جاء المساء وأعلنت رئيسة لجنة التحكيم، الفنانة الفرنسية الأيقونة إيزابيل أدجانى، حصول يوسف شاهين على جائزة التكريم لكل إنجازه وتاريخه الفنى الكبير، وقال على مسرح قاعة لوميير الكبرى (نعم الأمر يستحق الانتظار كل هذه السنوات)، يوسف شاهين ظل نحو 40 عاما قبلها يشارك بين الحين والآخر فى المهرجان وينتظر ولا يحصل على شىء، بل كثيرا ما كان يهاجم فى مصر بضراوة ويتهمونه بنشر غسلينا القذر على الملأ بسبب جرأة أفلامه، بل إن إحدى الصحف الكبرى نشرت تحقيقا عام 91 تطالب بسحب الجنسية المصرية من يوسف شاهين فور عودته من (كان)، لأنه عرض فيلم (القاهرة منورة بأهلها) الذى ينتمى لنوعية (السيمى دراما) الدراما التسجيلية، حيث عرض فى قسم (أسبوعى المخرجين)، وعديد من الأقلام كانت تتناوله بعنف، حتى هدأت العاصفة مع عرض (المصير) بعدها بـ6 سنوات.
أتذكر صعود أبطال الفيلم نور الشريف وهانى سلامة وسيف عبد الرحمن وروجينا، بينما قاد خالد النبوى، الذى شارك فى الفيلم، مظاهرة فى القاهرة لاستقبال يوسف شاهين بالمطار بعد إعلان فوزه بالتكريم.
تأملت هذا العام عدد النقاد الكبار الذين كانوا مشاركين بالمهرجان وشهودا لتلك الواقعة قبل أن يغيبهم الموت، مثل الأساتذة أحمد الحضرى ورفيق الصبان وأحمد صالح ومارى غضبان وسمير فريد وعلى أبوشادى، وهناك عدد آخر لأسباب مختلفة لم يعودوا حريصين على التواجد، بينما لدينا جيل جديد وأغلبهم من الناقدات الجادات فى مقتبل العمر، صرن وجوها دائمة فى (كان) و(برلين) وغيرهما من المهرجانات، ويتكبدن مشقة الحضور على نفقتهن الخاصة.
بين (مصير) 1997 ومصير 2018، مصر هذه المرة فى المسابقة الرسمية وتترقب جائزة بتواجد أصغر مخرج يشارك رسميا بالمهرجان هذه الدورة أبو بكر شوقى، 32 عاما، بفيلمه (يوم الدين)، الصورة تغيرت قطعا على مدى تجاوز عقدين من الزمان، إلا أنها لا تزال (تطلع حلوة)!!.
نقلا عن المصرى اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع