بقلم : طارق الشناوي
هل أمسح رقم صديقي العزيز الذي توفاه الله قبل عامين، أنا موقن أن عائلته سبقتني ومحته، فما هي جدوى الاحتفاظ برقم تم دفنه؟ هذا هو ما يقوله المنطق العقلي، ولكن دائماً للقلب حسابات أخرى.
كل بضع سنوات «مكره أخاك لا بطل» أجد نفسي مضطراً لتغيير جهاز الموبايل المحمول، لست ممن يسارعون باقتناء أحدث الأجهزة، خاصة أنني أجد شيئاً من الصعوبة في التعامل مع التقنيات الحديثة، رغم أنها قد أحدثت تغييراً جذرياً في العديد من مظاهر حياتنا، ولا محيص من التعاطي الدائم معها.
أنا أنتمي لجيل زمن التليفون الأرضي، عشت مرحلة ذهبية اسمها تليفون «الأنسر ماشين»، كنا نعتبره قبل ظهور «المحمول» آلة ساحرة، تساعد على إنجاز الكثير من شؤون الحياة.
في الماضي كنا نستخدم نوتة صغيرة للاحتفاظ بالأرقام أبجدياً، وبين الحين والآخر عندما تُبلى الأوراق، ونضطر لإعادة كتابة الأسماء يصعد نفس السؤال، هل نُبقي عليهم أم نحذفهم؟ كلما مضى بنا الزمن زاد بالضرورة عدد الراحلين، الآن لم يعد الأمر قاصراً على الأرقام فقط، ولكن أيضاً هناك رسائل متبادلة، كانت بيني وبينهم، وهي مسجلة على أكثر من تطبيق، تعودت ألا أمسح أغلب الرسائل، وبين الحين والآخر أعيد تأملها.
مثلاً صديقي الذي أخفى خبر وقوعه في الحب واستعداده للزواج مجدداً، بالصدفة أرسل لي عن طريق الخطأ تلك الرسالة، وأرسلت له رداً ساخراً، كم كنت سعيداً أنه أقدم على تلك الخطوة، بعد رحيل زوجته ببضع سنوات، الغريب أنه قبل أن يعلن رسمياً نبأ زواجه فاضت روحه، والزوجة المنتظرة لا تدري أن هناك عدداً قليلاً يعرفون بالصدفة السر، أشعر أن صديقي قبل الرحيل كان بداخله نداء خفي يدفعه لتلك الخطوة المؤجلة، قبل أن يمضي به قطار العمر، إلا أن القطار كان أسرع.
صديق ثانٍ من بلد عربي، جاءت رسالته قبل خمسة أعوام، تؤكد أنه قادم لمصر «أم الدنيا»، هكذا كان يصفها الناقد الكبير، وبلغ حبه لها أنه رحل أيضاً على أرضها، وما علمناه بعد ذلك أن الأطباء حذروه من السفر، ولكنه كان حريصاً على أن تشهد «أم الدنيا» وداعه للدنيا.
هذه رسالة من نجم كبير يهنئني فيها على عمود كتبت فيه رأياً إيجابياً عنه، من الواضح أنني كما يشيع عني الفنانون، نادراً ما أكتب مقالاً إيجابياً، وإلا ما كان صديقي النجم الراحل قد حرص على توجيه الشكر.
صحافية شابة مفعمة بالحياة تسألني عن رأيي في تلك الدورة من المهرجان؟ كنت قد غادرت المهرجان قبل حفل الختام بيوم، وسجلت لها رأيي عبر «واتساب»، وعلمت أنها وهي في طريق عودتها من المهرجان، انقلبت العربة ولاقت حتفها.
هل لديهم وسائلهم للتواصل معنا، أقصد من غادرونا؟ قال لي مرة كاتب السيناريو بشير الديك، إنه والمخرج الراحل عاطف الطيب، اتفقا على أن من يرحل قبل الآخر عليه أن يجد وسيلة للتواصل، ومر أكثر من ربع قرن، ولم يتلق بشير على حد قوله شيئاً من صديقه عاطف الطيب.
المؤكد أن بشير لو استعاد الكثير من الأوراق والملاحظات التي كان الطيب يكتبها على السيناريوهات التي جمعتهما معاً سيكتشف الكثير من «شفرات» التواصل.
نعم عندما أقرأ بعض تلك الرسائل أشعر أن الحوار لم ينقطع بعد.