بقلم - طارق الشناوي
«المصالح تتصالح»... مقولة شهيرة تستطيع أن تحلل من خلالها الكثير من المواقف في دنيا السياسة والاقتصاد والثقافة والفن، قد يرفع البعض أحياناً شعار المقاطعة لسلعة ما، للوهلة الأولى قد يبرز الوجه السياسي للقرار، إلا أنك بعد قليل ستكتشف أن الاقتصاد كان هو المحرك العميق والأساسي لكل ما تراه برؤية مخادعة مغموساً في السياسة.
في الوسط الفني صار محمد رمضان يتلقى عشرات من الضربات المتلاحقة من عدد من الفنانين مع اختلاف مشاربهم، ليس فقط من منافسيه النجوم الشباب الذين باتوا يشعرون أنه يتعمد التعريض بهم بإصراره على أن يشير على صفحته أنه الأول وبلا منافس، وأن «البون» شاسع مع من يحل في المركز الثاني، كما أنه بين الحين والآخر ينتقد - تلميحاً أو تصريحاً - موقفاً لأحد زملائه، وهكذا وجدنا كتاب دراما وشعراء وموسيقيين يفتحون هم أيضاً نيران الغضب ضده.
هل تتم مقاطعة رمضان؟ البعض يسعى من أجل أن تتسع دائرة الغاضبين، وبالتالي يكتشف رمضان أنه يقف وحيداً، بعد أن تنفض عنه شركات الإنتاج.
التجربة أثبتت أن الإنتاج سيواصل البحث عن الورقة الرابحة، لن يوقفهم شيء (اللي تكسب به العب به)، هؤلاء يعيدون لنا قصة مشابهة حدثت قبل 70 عاماً عندما قرر المنتجون مقاطعة إسماعيل ياسين بحجة أنه يغالي في أجره ويكرر نفسه، وقعوا القرار في غرفة صناعة السينما ظهراً، بينما أغلبهم في المساء كان يقف على باب شقة إسماعيل ياسين في انتظار الحصول على توقيعه لبطولة أفلامهم المقبلة.
لن تتمكن المقاطعة من تحقيق شيء، الممثل الذي يعرض عليه عمل فني مع رمضان سيشارك فيه طالما وجد أن من مصلحته أن يصبح في فريق رمضان، وكذلك المونتير ومهندس الديكور والمخرج وغيرهم.
في عز الصراع بين فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ حدث شيء من هذا القبيل، عندما كان بليغ حمدي يقود فريق عبد الحليم، بينما فريد الأطرش يقدم في شم النسيم حفلاً غنائياً، وجاء تحذير مباشر من بليغ أن من سيشارك في حفل فريد لن يعطي له ألحاناً، وهكذا حُرم محمد رشدي من لحن «ردوا السلام»، وغنته عفاف راضي في حفل حليم ليصبح أول ألحانها، ورداً على ذلك منح فريد لرشدي لأول وآخر مرة لحن أغنية «عشرية»!.
طبعاً مر زمن وصار بليغ حمدي من أقرب أصدقاء فريد الأطرش وآخر ألحان فريد «كلمة عتاب» استكمله بليغ، بعد رحيل فريد، مستعيناً باللزمات الموسيقية الشهيرة لملك العود، ورددته وردة.
الموسيقار محمد عبد الوهاب في البداية لم يقتنع بأن عبد الحليم من الممكن أن يُصبح نجماً على الشاشة، وتراجع في اللحظات الأخيرة عن إنتاج أول أفلامه «لحن الوفاء»، كما أنه أرجأ تنفيذ ثلاثة مشروعات سينمائية أخرى، إلا أنه فوجئ بنجاح الفيلم، فقرر أن ينتج الأفلام الأخرى مقابل التعاقد القديم الذي لم يكن يزيد عن 200 جنيه للفيلم، بينما أجر حليم كان قد ازداد عشرة أضعاف، ووصل الطرفان إلى حل وسط لأن المصالح تتصالح.
رمضان يسير على خطى عادل إمام عندما كان في بداية مشوار النجومية يتعمد الإشارة إلى تفوقه الرقمي على زملائه، مما كان يثير حفيظتهم، ورغم ذلك كانوا يشاركونه في أفلامه، فهو يعلم أن الجميع يحددون مواقفهم طبقاً لمصلحتهم، لو كانت المقاطعة تزيد أرباحهم سيصبحون هم أول المقاطعين، ولو كان العكس هو الصحيح سيقاطعون المقاطعة!
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع