بقلم - طارق الشناوي
النكتة والقفشة سلاح عالمي ليست حكراً على بلد ما دون الآخر، إلا أن هناك مجتمعات تتميز بقدرتها على إحالة كل مأزق تعيشه إلى نكتة تلاحق كنوع من العقاب الجماعي لمن يستحق.
النكتة تلعب دورين في نفس اللحظة، فهي تمتص الغضب وتصيب الهدف، تمنح مرددها إحساسا بالانتقام مشوبا بالانتشاء ومن ثم الراحة، وفي نفس الوقت تجرح بلا دماء من توجهت إليه بسهامها، المصريون من أشهر المجتمعات ميلا لرسم النكتة وحبكتها، وكثيرا ما تجد المواطن المصري في حرج بالغ عندما يذهب لدولة عربية ويسأله الأصدقاء هناك عن آخر نكتة؟ فلا يجد إجابة لأنه لم يحفظ شيئا قبل السفر، أنا شخصيا صرت أحرص على أن أحفظ واحدة أو اثنتين لاستخدامهما عند الضرورة، ومع الأسف في اللحظة الحرجة لا أستطيع استعادتهما. رواية النكتة فن، كان يجيده مثلا إسماعيل ياسين، إلا أنه ليس صاحب النكتة، وأغلب تلك النكات، التي حققت شهرة عريضة، ليست من بنات أفكاره، ولكن من تأليف ممثل كوميدي مغمور كان يشارك بالتمثيل في أدوار صغيرة، اسمه عبد الغني النجدي وكان يتقاضى من (سُمعة) جنيها واحدا على النكتة، وهو رقم ليس هينا قبل 70 أو 80 عاما.
في كل الملمات الكبرى ستجد أن هناك نكتة أو فصيلة من النكات تنطلق ينبغي أن تخضع لدراسة اجتماعية، مثلا بعد هزيمة 67 كان كل من الكاتب الكبير أنيس منصور والشاعر الغنائي الكبير مأمون الشناوي يشتركان معا في حبك وضبط النكتة، ثم بعدها تنطلق من منصة التليفون ويرددها الناس، وبالطبع كشفت الأجهزة الأمر، فطلب عبد الناصر مباشرة من منصور والشناوي التوقف، فالتزما من بعدها الصمت التام!
مع تغير الزمن ودخول شبكات التواصل الاجتماعي كطرف فاعل، أصبح انتقال وذيوع النكتة بالصوت والصورة أسرع، لاحظنا على الجانب الآخر هبوطا حادا في معدلات الضحك على مستوى الكوميديا، التي نراها على الشاشتين الكبيرة والصغيرة، وخشبة المسرح بعد أن توقف الكبار، كما أن عددا من نجوم الضحك الجدد أفلسوا، وتجاوزهم الزمن لأنهم لم يلاحقوا الإيقاع السريع للحياة، دائما هناك شيفرة مختلفة تفرض نفسها مع دخول رافد جديد من أدوات الاتصال، ومن بعدها يتوهج مباشرة اسم نجم في سماء الكوميديا، ومصر تنتظر منذ سنوات هذا النجم.
ولا بأس أثناء الانتظار أن يبدأ سلاح السخرية في ملء الفراغ، وهكذا تابعنا مؤخرا مجموعة من القفشات اللاذعة على ما يجري، وآخرها قرار وزيرة الصحة المصرية بضرورة غناء النشيد الوطني (بلادي بلادي) كل يوم في الثامنة صباحا.
وأضافت الوزيرة، حتى لا يشعر المريض أن عليه هو فقط هذا الواجب فإن الطبيب المعالج، سيؤدي الواجب أيضا بقسم (أبوقراط).
مثل هذه المواقف لا يمكن أن تتم إلا في إطار الجماعة، لا يردد الطبيب القسم مثلا وهو في منزله يحلق ذقنه، كما أن السلام الوطني يتم ترديده والوقوف لتحيته وسط الجماعة، هناك طقوس خاصة لا يمكن التنازل عنها.
لم ولن تتوقف من بعدها (السوشيال ميديا) عن السخرية، والتي تفوق روادها على الصحافة التقليدية لأن سقف المسموح لديهم أرحب ووسيلتهم للوصول إلى الناس أسرع.
نصيحة مخلصة بسبب سرعة إيقاع غلاء الأسعار، اضحك، فهو المنتج الوحيد الذي نجا من شبح الغلاء، ولا يأخذون عليه حتى كتابة هذه السطور ضريبة مبيعات ولا قيمة مضافة (اضحك قبل الضحك ما يغلى)!
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع