توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إدوارد والانتفاض للكرامة

  مصر اليوم -

إدوارد والانتفاض للكرامة

بقلم - سوسن الأبطح

هذه السنة كان يفترض أن نحتفي بمرور 40 سنة على صدور أهم وأشهر كتاب حديث سُطر للدفاع عن كرامة العرب والشعوب التي قهرها الاستعمار وشوه صورتها، واستغل خيراتها من الهند إلى أميركا اللاتينية. فلم يحصد أي مؤلّف، ما عرفه «الاستشراق» من شهرة وترجمة ونقاش وتأثير على الدول الاستعمارية ودوائر الدراسات الاستشراقية في الغرب، كما هذا الكتاب.
وإذا كان ثمة من هدد سعيد وعائلته معه، في حياته وحاول إسكاته، بسبب كتاباته وآرائه، فهؤلاء هم أنفسهم يعنيهم طمسه إلى اليوم، مع أن الرجل كان يقول صراحة إنه لا شرقي ولا غربي، إنما أكاديمي متخصص في الأدب المقارن، يقوم بعمله البحثي، كما تعلمه في أميركا. هو يعترف أيضا أن المحرك الأول لكتابه الشهير، كان اكتشافه أن ما يقرأه عن العرب في الأدب الغربي، ويراه في اللوحات الفيكتورية لا يشبه في شيء الحياة التي عرفها في فلسطين ومصر ولبنان وسوريا. وكل ما أراد قوله للغرب: اعرفونا جيداً، ولا تسبغوا علينا أخيلتكم التي تظلمنا، ولا تنصفكم. 
ولمزيد من التعمق جاء إلى بيروت مطلع السبعينات، وأخذ يتعلم العربية يومياً على يد القدير أنيس فريحة، حتى تمكن من قراءة أمهات الكتب، ليتأكد أكثر أن سوء الفهم عميق بالقدر الذي يرى.
هو دارس رواية في الأصل، و«الاستشراق» ليس نظريات سياسية خنفشارية، بل قراءات في نصوص أدبية غربية، تفضح نفسها وخفاياها حين توضع تحت مجهر التشريح. وكل ما فعله، وهو الأكاديمي الفذ أنه التقط على لسان الشخصيات وفي طيات النصوص ما لا يحب المستعمر كشفه. ولم يكن كتابه الذي جاء بعد أكثر من تسع سنوات «الثقافة والإمبريالية» سوى محاولة استكمال للأول، وفهم لماذا قبل أكثر من 80 في المائة من سكان الأرض الرضوخ لهذا الاستعمار، ولم يقاومه بالشراسة التي يستحقها؟ ما دوافع الخنوع الجماعي أمام دول شكلت مؤسسات متكاملة وبنت نظريات، دارت في فلكها أعمال أدبية وفكرية وفنية تضافرت كلها لإخضاع شعوب واستثمار خيراتها.
ميزتان رئيسيتان يمكن قراءة كتابات إدوارد سعيد على ضوئهما هما: «التمرد» و«الاستقلالية». فقد طرد من كلية كان يدرس فيها في الإسكندرية بعد خروجه من فلسطين وهو في السادسة عشرة، لأنه كان «شقياً»، وارتأى والداه إرساله إلى أميركا عام 1951 ووضعاه في مدرسة داخلية، حيث عانى الوحدة بعيداً عنهما. هناك ساءه أن أحداً لم يسمع بفلسطين والظلم الواقع على أهلها، وأنه حين يرتدي اللباس العربي في إحدى الحفلات المدرسية فعليه أن يكون حافي القدمين مستسلماً رافع اليدين. بعد حرب 67 بدا أكثر غضباً، وصورة العربي في أميركا توازي الهزيمة والانكسار والخنوع، ولم يتنفس الصعداء إلا بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 73، على وقع أخبار الانتصارات التي كانت الأولى التي عرفها للعرب في حياته. 
وكي ترى أنه حتى العباقرة بحاجة إلى شيء من الانتشاء ليبدعوا، فقد كانت تلك الحرب دافعه ليضع «الاستشراق»، مدللاً على أن الأفكار المسبقة هي التي تغذي ليس فقط المخيلة الغربية، وإنما تشوه وتتسبب بانحراف أكثر الدراسات علمية وادعاء للموضوعية.
وبقدر ما لقي كتابه من هجوم من عتاة المستشرقين وديناصوراتهم، كان سببا لجيل جديد منهم، بأن يخشى أن يوسم بما شاب أعمال من قبله، وبات أكثر حذراً، وتوخياً للدقة.
متمرد إدوارد سعيد، بقي طوال حياته، رفض الانخراط في أي إطار تنظيمي، لم يقبل أي منصب يقيد فكره، ويحجر على كتاباته. كتب «صورة المثقف» داعياً الكتاب لأن يتحرروا من كل إغراء وألا يستمعوا إلا لأصوات ضمائرهم، لأنهم وهم يكتبون فهم مسؤولون عن تشكيل رأي الناس وذهنياتهم. آمن دائماً بأن للمثقفين دورا يجب أن يلعبوه بمعزل عن كل الاعتبارات. بقي يفخر أنه لم يمتلك أي شيء له قيمة، لا سيارة ولا بيتا ولا حتى أي من الأعمال الفنية التي كان يحبها واكتفى بجمع الأقلام والكتب.
بقي استقلالياً متمرداً ناقداً لياسر عرفات، خاصة بعد أوسلو حيث اعتبر أنه بتوقيعه هذا، حوّل حركة تحرر وطني كبرى إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة، ووافق على نص لا ذكر فيه لمفردة «سيادة». شرح باستمرار أن الأولوية لا للتفرقة بين الأديان والثقافات، التي عاشت في هذه المنطقة دائماً مع بعضها. لذلك لم ير في حل الدولتين ما يمكن أن يبصر نجاحاً. لأنه إن صعدت دولة منهما استقوت على الأخرى، وبقيت الفتنة مشتعلة.
هو الوطني العلماني، الإنساني النزعة، الموغل في فهم حركة التاريخ، وإدراك عمق الحضارات، كان يختلف كلياً في نظرته البعيدة عن السياسي الذي لا يرى غير الظروف وانتهاز الفرص. أراد دولة واحدة يعيش فيها مواطنون يتمتعون بحياة رغدة وحقوق متساوية.
حين جاء عام 2000 إلى لبنان، كان ذاك قبل وفاته بثلاثة أعوام، كان الرجل مريضاً ومجهداً يتخير نشاطاته بعد سبع سنوات من مقارعة سرطان الدم (اللوكيميا) دون أن يتمكن من هزيمته. انتهز الفرصة ليلتقي الأصدقاء، وكان هذا هو الأحب إلى قلبه، يومها ذهب إلى الجنوب، إلى بوابة فاطمة والتقطت له تلك الصورة الشهيرة وهو يقذف حجراً باتجاه فلسطين، وجندي المراقبة الإسرائيلي القابع على الحدود. 
بالطبع لم يكن سعيد وهو الذي يحمل الجنسية الأميركية ويزور فلسطين متى يشاء، بحاجة إلى ذلك، لكنه أراد أن يسجل موقفاً ضد الاحتلال، ضد الاستعمار الذي ذهب في البحث عن جذوره إلى قرون خلت قبل أن يبلور رأياً، لعله اليوم هو الأجدر بالقراءة والفهم لكل متبصر. هو الذي كان يقول: «نعم لليهود حق في فلسطين. مع أنهم لم يعيشوا هنا سوى 300 سنة، وكان هنا أيضا فلسطينيون، وكنعانيون وآشوريون. 
نعم لهم حق، لكن ليس من حقهم أن يطردوا الآخرين من بيوتهم». لو كان إدوارد سعيد بيننا لكان يحتفي هذه الأيام بعيده الثالث والثمانين، ولأدركنا ربما أكثر، كم كان هذا المثقف الكبير، المفتون بالموسيقى والأوبرا والرسم والأدب، منتفضاً لا من أجل كرامة الفلسطينيين، وإنما للدفاع عن «الكرامة الإنسانية» أينما خدشت.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدوارد والانتفاض للكرامة إدوارد والانتفاض للكرامة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon