توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تحية إلى «سارق النار»

  مصر اليوم -

تحية إلى «سارق النار»

بقلم - سوسن الأبطح

الحاجة ماسة إلى طه حسين. يتذكره المصريون اليوم بكثير من الحنين، ينشرون صورة لتمثال له يتمنون لو يوضع في أكثر الأماكن بروزاً ليراه العدد الأكبر من المارة.

45 سنة على رحيل «عميد الأدب العربي» الذي لم ينازعه على لقبه وموسوعيته أحد، كانت عامرة بالنكسات الجسام. يبدو وكأنما كل ما جاهد من أجله جيل النهضة الأدبية من عباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم ويحيى حقي، وتلك القافلة من المتنورين الكبار، كل ما سطروه في محاربة الخرافة والتقاليد البالية، يطوى سريعاً لتحل مكانه فوضى لا اسم لها ولا ملامح.

الحنين إلى هؤلاء ليس وقوفاً على الأطلال، بل عودة لقيمة العقل في زمن تجتاحه عواطف بلا بوصلة ومشاعر هيّاجة لا تحتكم إلى منطق ولا تستند إلى حكمة.

بمقدورك أن تختلف مع نظريات طه حسين فيما إذا كان الشعر الجاهلي منحولاً، موضوعاً، أم أصيلاً، صحيحاً، أن تناقش منهجه الديكارتي، ألا تعجبك أفكاره وجنوحه إلى هوية متوسطية في «مستقبل الثقافة في مصر» أو هجومه على رجال الأزهر في رائعته الخالدة «الأيام»، لكنها الكتب التي لا تزال تعتبر مداميك في المكتبة العربية، رغم مرور عقود طويلة على كتابتها. مراجع لن يتمكن من أن يسقطها باحث من حسابه.

ننسى أن كتاب «في الشعر الجاهلي» كان أكاديمياً، من ذاك الصنف الذي عادة ما يأكله الغبار على رفوف المكتبات ولا يلتفت إليه سوى أهل الاختصاص. نجح الرجل في أن يجعل منه محوراً طوال ما يقارب قرناً، مدحاً أو هجاءً، هذا ليس بقليل. دفع ثمناً غالياً وهو يتصدى لمناوئه، خسر عملاً ومالاً وسمعة. ليس لطيفاً في بلادنا أن يتهم الإنسان بالتخريب والإساءة للوطن أو الدين. لكنه صمد دفاعاً عن رأيه، لأنه لجأ إلى العقل منهجاً، وجاء الرد عليه سياسياً ثأرياً تارة وعاطفياً تارة أخرى.

الرد على طه حسين الذي جمع بين معرفة هائلة بالتراث وتعمق مثير بالفرنسية واللاتينية وعشق لليونانية، وأسلوب قوي في اللغة، وهو المستند إلى معرفة قرآنية بدأت من الكتّاب، مروراً بالأزهر، وصولاً إلى سماع يومي يشبه الإدمان أحياناً، يحتاج قامات معرفية.

حين قابلت صدفة حفيدة طه حسين أمينة التي صارت اليوم «حافظة للمتحف الوطني للفن الآسيوي» في باريس، وعرفت أنها تتحدث اليابانية وباحثة في الفن الصيني والهندي وعاشقة متيمة للشرق الأقصى، أدركت أن جزءاً إضافياً من أحلام عميدنا يتحقق. فهو الذي كان يرى أنه «يؤخذ على الذين كتبوا تاريخ العرب وآدابهم ولم يوفقوا إلى الحق فيه، أنهم لم يلموا إلماماً كافياً بتاريخ الأمم القديمة». كان يتساءل مستغرباً: «أولم يخطر لهم أن يقارنوا بين الأمة العربية والأمم التي خلت من قبلها». يأخذ عليهم أنهم نظروا إلى أمتهم على أنها فذة، لم تشبه أحداً ولم يؤثر فيها أحد قبل أن تبسط سلطانها القديم.

أراد لنظرته هو الضرير أن تكون بانورامية ورؤيوية، وكان له ما أراد. لم يوفر تاريخاً ولا أدباً ولا فلسفة، ولا موسيقى غربية أو شرقية. تحدى العمى وراح يحاول اكتشاف الأعمال التشكيلية ويتابع أفلام السينما. هذا عالم استثنائي لا يتوقف المرء معه على خلاف حول بعض الأفكار بل يراه عالماً متكاملاً، وهو الوطني المخلص. حين ضاق به الحال في مصر والاتهامات تطارده والمحاكم تستدعيه، رفض الذهاب للعمل في أميركا كما عرض عليه المستشرق ماسينيون. كان يعرف أن له دوراً في بلده عليه أن يؤديه، وأنه لم يأت إلى هذه الفانية جزافاً.
كان ذاك زمن يعتبر الأديب نفسه صاحب رسالة، يحقق ما استطاع منها حيث حلّ. فهو صاحب الفضل في مجانية التعليم في مصر حين صار وزيراً، لأنه كان يعتبر المعرفة حاجة كالماء والهواء. وهو الذي جاء بكتاب فرنسيين كبار يكتبون في مجلته يوم أصبح صاحب مطبوعة، وهو الذي حول نفسه جسراً بين أوروبا وبلاده ناقلاً ما تعلمه في فرنسا، مستفيداً مما امتصته روحه من فكر ليبث أهله مما تعلم.

القامات الشاهقة لا تحاسب على فكرة أو كتاب، بل على مسار، تقيّم باعتبارها مفصلاً ومساراً. يغيب عن البعض أن ذاك جيل كتب في الإسلام والتراث ما لم يكتب قبلهم. أسسوا لتيسير المعرفة بمؤلفاتهم التي كان قبلها العربي مضطراً للعودة إلى المصادر الكبيرة كي يقرأ شيئاً من السيرة النبوية مثلاً. 

هكذا جاء العقاد بالعبقريات معرفاً بالصديق وعمر وعثمان وعلي من الخلفاء، وخالد بن الوليد من القادة. تلك المؤلفات التي يسرت للمدارس تنشئة جيل يعرف تاريخه، قبل أن تهمل هذه الكتب لنخسر ليس معرفة ما حولنا ومن سبقنا بل أنفسنا أيضاً.

كان يقول عن طه حسين، صديقه أندريه جيد أنه «يرى أكثر من الآخرين، ويبصر أكثر مما هو مسموح له». لهذا أشرف جيد بنفسه على ترجمة كتاب «الأيام» الذي سيبقى واحداً من أروع ما أنتجه الأدب العربي على الإطلاق في القرن العشرين، وقدم له بنص جليل يستحق القراءة.

محق نزار قباني أن يرثيه يوم مات وكأنه يرثينا معه، وهو يخاطبه في قصيدة طويلة ومؤثرة: «ضوء عينيك... أم هما نجمتان. كلهم لا يرى وأنت تراني. ارم نظارتيك... كي أتملى كيف تبكي شواطئ المرجان. أيها الأزهري... يا سارق النار، ويا كاسر حدود الثواني. عد إلينا... فإن عصرك، عصر ذهبي ونحن عصر ثاني».

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحية إلى «سارق النار» تحية إلى «سارق النار»



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon