توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ترمب يرسم الحل

  مصر اليوم -

ترمب يرسم الحل

بقلم : سوسن الأبطح

 ليس يوم نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس كما قبله. هي لحظة رمزية أدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عظم محاملها. الرجل اعتبره «يوماً مجيداً»، والفلسطينيون الغاضبون حوّلوه بصدورهم العارية وغضبهم العارم إلى يوم أسود. هو مظلم للجميع، لو يدري نتنياهو، لو يعرف أن العالم لم يعد يشبه ما يحدث على تلك الأرض التي لا تزال غارقة في وحول التاريخ.

يتغنون بأرض الآباء والأجداد في إسرائيل، ويجيب محتج فلسطيني متحدياً أحد الجنود: «اثبت لي أن جدك ولد هنا، وسأعطيك بيتي»؛ حوار طرشان على أرض كل يدعي ملكيتها. يخرج متحدث ليقول إن «أورشليم عاصمة الشعب اليهودي منذ 1500 سنة قبل الميلاد». الرئيس الفلسطيني محمود عباس يجيبه بالعودة إلى الكنعانين، لا بل «نحن هنا حتى قبل سيدنا إبراهيم». حين يبلغ الخطاب على مستوى رؤساء وسفراء، يطلون على الشاشات ويصعدون المنابر لنقاش معضلة القرن، هذا المستوى العقائدي الديني، من الطرفين، يعني أننا نغوص عميقاً في الجحيم. ليس من نار أكثر توهجاً من لهب أفران الآيديولوجيات والحروب الدينية. ويبدو أن إسرائيل نجحت في استجرار العرب إلى المحرقة. اليمين المسيحي في أميركا ليس أقل توغلاً في هذا الفكر المظلم، وهو يرى في دعم إسرائيل اللامشروط تسريعاً في موعد عودة المسيح. أن يدفع آلاف الأبرياء منذ سبعين سنة ثمن أفكار لا تؤدي إلا إلى مزيد من المجازر، فهذه هي المعضلة الأكبر.

كل هذا العنف، والجنون المتمادي، يخيف دولاً وقفت إلى جانب إسرائيل كما لم يفعل أحد: فرنسا، وبريطانيا، وبلجيكا، والسويد. ثمة من بات يستشعر أن الخراب الكبير قاب قوسين أو أدنى.

يوم نقل السفارة، كانت الشاشات الغربية تنعى حل الدولتين. ولربما أن هذه الكذبة ليست إلا محاولة لكسب المزيد من الوقت، بينما كانت إسرائيل تحكم محاصرتها للفلسطينيين بجحافل من مئات آلاف المستوطنين، وتقطع أوصال الضفة، وتفتت معالم الحياة في غزة. هل لا يزال من مكان لدولة تسمى «فلسطين»، وما تبقى من الأرض يقل عن الربع؟

جاء اليهود إلى فلسطين بغرض إقامة دولة قومية لهم، في زمن صعود القوميات. أفادوا كثيراً، وتنعموا مع ارتفاع أسهم التيارات الدينية المتطرفة التي تنادي بكيانات منغلقة. لا شيء يبرر التشدد إلا الأكثر تعصباً. سقوط الحدود، وبدء عصر الانفتاح، استبقته إسرائيل بمحاولة عقد اتفاقات سلام مع دول عربية حولها، لكن هذا تعثر شعبياً مع صدود المواطنين العرب أمام تطبيع تسامحي، بينما لم تلتزم إسرائيل بأي من وعودها لمنح الفلسطينيين شيئاً من حقوقهم. كان بمقدور إسرائيل أن تلتقط اللحظة، كان الجو مهيئاً، والعرب في التسعينات فتحوا قلوبهم وصدورهم لنهاية الألم الطويل الذي استنزفهم. وصول الرئيس ياسر عرفات إلى الأراضي المحتلة عام 1994، بعد 27 سنة من المنفى، لإقامة حكم ذاتي، بدا بارقة أمل عظيمة للراغبين في وضع نهاية لمأساة رضعوها مع حليب أمهاتهم.

كل ما فعلته إسرائيل بعد ذلك كان محبطاً، قاتلاً للعزائم، مضعفاً لأي راغب في إحياء عملية السلام، بعد أن تحولت إلى جثة.

صارت المنطقة، بعد ربع قرن ونيف من الحماس للسلام، «متفجرة وعلى شفا حرب»، يقول وزير الخارجية الفرنسي. ربما ما يخيف أن الجميع يستبعد الصدام الكبير، لذا تبدو الحرب ممكنة أكثر من أي وقت مضى. النفوس محتقنة، والاستفزازات متزايدة، واليأس قد يدفع إلى ما لا تحمد عقباه.

فادي أبو صلاح، الذي جابت صورته الفظيعة العالم، علق أحدهم عليها بالقول: «سلبته إسرائيل أرضه، ثم سرقت منه ساقيه، ومن بعدها أخذت منه روحه بالأمس». ليس هذا الرجل الذي يواجه الجيش الإسرائيلي على كرسي متحرك وبالحجر سوى نموذج له رمزيته التي تكاد تضاهي رمزية نقل السفارة.

الأفق مسدود، ومشحون بسواد دخان الإطارات المشتعلة السامة، يبقى بلا بصيص، لأن الضوء الوحيد الممكن محال أن يتناغم مع ذهنية الفصل والتقسيم، وفرض الدونية على شعب بأكمله، وممارسة الظلم عليه عشرات السنين.

الأرض هبة للناس أجمعين. ثمة أماكن تتسع لكل فائض. وهذه البقعة جاءت إليها أمم كثيرة غازية، بينهم الرومان والمغول والصليبيون، منهم من بقي، وبعضهم فر واندحر. اليهود ليسوا فئة غريبة عن العرب، من مسلمين ومسيحيين. فسيفساء المنطقة يسمح لهم بالبقاء. ذهنية العصر تتيح لهم أن يعيشوا كراماً، ويتركوا للآخرين مساحة التنفس بعزة. إبقاء الصراع العربي - الإسرائيلي أسير الآيديولوجيات والنكايات والجماعات المتعصبة والمتطرفة هو الذي أغلق الأبواب. نموذج أفريقيا الجنوبية ناجح وإنساني، ورائع.

بالطبع لن تقبل إسرائيل بحل الدولة الواحدة، مع أنها لم تترك متسعاً لغيره، وبعض الفلسطينيين سيجدون في الأمر وبالاً عليهم. لكن إدوارد سعيد، وسري نسيبة، وكل الأذكياء المدنيين، الإنسانيين، الذين خبروا معنى المواطنة، أدركوا باكراً أن ما حلمت به منظمة التحرير من حل لدولتين متجاورتين لم يكن قابلاً للتحقق. الآن، وقد أغلقت المسارب جميعها، بمقدور ما تبقى من النخب العربية المخلصة أن تروج لعيش مشترك على أرض واحدة، بدل أن تترك لإسرائيل الساحة للتحريض على تقسيم البلدان العربية. المستقبل لأولئك الذين يتجاوزون أفكارهم الضيقة، ومعتقداتهم الصغيرة، وأنانيتهم المفرطة، من أجل رغد العيش وبحبوحة السلام. الدولة الواحدة ليست غداً، لكنها آتية، حرباً أو سلماً، وما نقل السفارة سوى تسريع إلى تلك النقطة الفاصلة التي لا تريد إسرائيل أن تسمع بها.

 نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب يرسم الحل ترمب يرسم الحل



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon