توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أعطني بياناتك!

  مصر اليوم -

أعطني بياناتك

بقلم - سوسن الأبطح

أحسنت «الجامعة اللبنانية» صنعاً حين قررت أن تفتتح فرعاً تخصصياً جديداً هو «علم البيانات» وتحديداً في «كلية الإعلام». فقد أصيبت الصحافة في مقتل حين اعتمدت على الفقاعات الخبرية بدل المعلومات المفيدة، وقررت أن تخدع القارئ بالعناوين الجذابة بدل المضامين المبنية على المصدر العارف والمرجع الموثوق والرقم الدقيق. وقبل إغلاق «دار الصياد» العريقة بصحيفتها «الأنوار» ومجلاتها المتعددة، أسلمت جريدة «السفير» الروح، وكادت «النهار» تهوي، وما يستمر يبدو كأنه في النزع الأخير.

مشكلة الصحافة تتعدى محرريها إلى المجتمع الذي يسندها، والجامعات ومراكز الأبحاث التي لا تزال عاجزة عن تكوين كوادر خلّاقة وعلمية في آن واحد.

و«علم البيانات» ليس سوى فرع من مجموعة تخصصات يمكنها أن تبدّل المجتمعات وتغير الرؤية إلى الواقع، وتضخ الإعلام بمادة يمكنه أن يبني عليها. فالصحافي ليس مخترعاً ولا مبتكراً من فراغ، وإنما هو باحث شرس عما يوجد حوله، مما يستحق الكتابة عنه والإضاءة عليه.

وقديماً كان يقال إن الإنسان يُعرف مما يقرأ أو تبعاً لمن يعاشر. وهي جميعها مقولات ينتهي مفعولها أو يكاد بفعل تراكم المعلومات عن الفرد الواحد لا بل وتضخمها، حتى صارت تشمل ما يحلم به وما يخشى، لا بل ويمكن توقع ما سيفعل. وها هي الباحثة البريطانية ساندرا واشتر تخرج علينا من «معهد أوكسفورد للإنترنت» الذي يعنى بدرس البيانات ويستفيد من جمعها في شتى مجالات الحياة، معلنة عن محاضرة عنوانها «أرني بياناتك أقُلْ لك من أنت». وهي عبارة مختصرة، شديدة الدلالة عما يقوم به المعهد وغيره من مراكز أبحاث، تستطيع أن تعيد قراءة المجتمع بأدق تفاصيله من خلال المعلومات التي تُجمع آلياً، عبر التطبيقات ووسائل التواصل وحتى أجهزة اجتياز الركاب إلى المترو والحافلة أو استخدام بطاقة الائتمان. وكل حركة بات بالإمكان إحصاؤها، وإعادة استخدام المعلومة بمقارنتها بأخرى عن الشخص نفسه، في حال أريد الاستعلام عنه لارتكابه جريمة أو طلبه وظيفة. وربما الأهم مقارنة المعلومات بعضها ببعض لمعرفة إلى أين تذهب الحياة، وكيف يمكن تنظيمها في المستقبل.

فقد اكتشف البريطانيون مؤخراً أن العنصرية تضرب مؤسساتهم الاستشفائية ذات الـ750 ألف موظف، وأن الأقليات فرصهم في الترقي أقل من البيض، ورواتبهم أدنى بدءاً من الأطباء وحتى العاملين في النظافة، وذلك بفضل دراسة جديدة لبيانات المستشفيات. وكُشف أيضاً أن التعارف عبر الإنترنت بين الجنسين لا يزال يخضع بنسبة كبيرة -لم تكن متوقعة- إلى مبادرة الرجال في إظهار الود، وأن إمكانية استمرار العلاقة تبقى أكبر حين يبدأ التواصل بين امرأة مطلوبة ورجل هو الراغب والطالب.

دراسة أكثر خطورة، تتجاوز بريطانيا هذه المرة، وتعتمد على البيانات، تُظهر أن فضائح التأثير على الانتخابات الأميركية الأخيرة عبر وسائل التواصل لم تكن ظاهرة منعزلة؛ إذ إن عدد البلدان التي يحدث فيها التلاعب الرسمي في وسائل التواصل الاجتماعي ازداد بشكل كبير، من 28 إلى 48 دولة على مستوى العالم. ويأتي التزييف في غالب الأحيان من الأحزاب السياسية التي تنشر، بشكل مقصود، المعلومات الخاطئة والأخبار غير المرغوب فيها حول الانتخابات لاستقطاب المقترعين.

وإذا كانت الشكوى في العالم اليوم هي من كثرة ما يُجمع من بيانات، وكيف يمكن تنقية ما نحتاج إليه مما يتوجب إهماله فإن المشكلة في بلادنا هي أن الأرشفة (الصيغة الأقدم لجمع المعلومات) وحتى قبل الإنترنت، لم تكن مما تستسيغه النفوس أو تحبه الذائقة. وأن تطور التقنيات لم يغير كثيراً في الأمزجة ولم يغرِ أو يلقِ الحماس في النفوس.

وبمواجهة القدرة المتزايدة على جمع البيانات وتحليلها نحن أمام تحديات من أنواع مختلفة. فبياناتنا موجودة ونحن لا نعبأ بأن تكون في أيدي أيٍّ كان. وبينما قررت أوروبا حماية مواطنيها بقوانين فرضتها على الشركات الكبرى تطبقها أو تحتال عليها، نبقى نحن كمواطنين في انكشاف تام أمام كل من يحلو له أن يجمع أسرار حياتنا أو يعبث بخصوصياتنا. وثمة خبر يقول إنه بعد الاختراق الأخير الذي تعرض له «فيسبوك» فإن بيانات دخول الواحد منا على «فيسبوك» تُباع من قبل القراصنة في السوق السوداء، بنحو دولارين فقط، وبطاقة الائتمان بأقل من 14 دولاراً، أما مجموعة المعلومات التي تشكّل هوية الشخص الواحد فيمكن أن يصل سعرها إلى الألف.

ونتعرض كبقية أمم الأرض لهذا الوجه المظلم الذي تُستغل به أرقامنا وأسرارنا ومفاتيح حياتنا، ولا نتمكن في الوقت نفسه من الاستفادة من إيجابيات أن تكون هذه المعلومات متوفرة لدى مؤسسة وطنية أو حكومة تسعى لتحسين أنماط معاشنا، أو ترفع مستوى اقتصادنا أو على الأقل تدرس علمياً سلوكياتنا.

فالغد ليس لمن يمتلك البيانات فقط بل لمن يجيد هندستها وتنقية ما يحتاج إليه منها، وإقامة الدراسات عليها ومن ثم توظيفها واستخلاص النتائج. وهو توظيف قد يكون خيّراً أو شريراً. وأن لا تعرف سيجعلك عرضة لاستغلال وعبودية من نوع جديد، لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أعطني بياناتك أعطني بياناتك



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon