توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أسرار بيروت

  مصر اليوم -

أسرار بيروت

بقلم - سوسن الأبطح

هذه هي السنة الثانية والستون التي يعود فيها معرض الكتاب العربي إلى بيروت. ليس الرهج ذاته ولا القامات الكبار نفسها التي كانت تتجمع حولها المئات في طوابير تنتظر التوقيع. تغيرت الوجوه، وانقلبت المعايير وتحولت بيروت، من مقام وملتقى دائم لنجوم الأدب، إلى محطة سريعة لمثقفين يأتونها ويرحلون خفافاً. هذا لا يثني الناشرين اللبنانيين عن تخبئة ثمين ما لديهم لهذه المناسبة. لم يعد المعرض اللبناني موعداً للصفقات الدسمة، لكن رمزيته لم تحجبها الأحداث السوداء ومكانته في قلوب الناشرين لا تخبو. لهذا فمن بين المعارض كلها يخصونه بالمثير للضجيج إن وجد، ويخرجون من جعبتهم عشرات الكتب الجديدة التي تجتذب المئات يومياً يحجّون إلى وسط بيروت، وليس مهماً، بعد ذلك، أن يتوفر في الجيب ما يتيح الشراء. فالمعرض موعد لا غنى عنه أولاً. والتقليد أحياناً كثيرة يغلب المستجد.
عمل اللبنانيون دائماً وكأنهم يعيشون في سلام سويسري، ويتأففون كأنما بلادهم لا تدرّ فاكهة ولا تنبت ياسمين. وبين عدم الرضى المزمن الذي ربما ورثوه عن الفرنسيين، والرغبة في السير إلى الأمام ثمة حيوية نابضة، وحماسة فوارة لا تكبحها السفاهات السياسية التي باتت مضجرة أكثر مما هي مربكة.
بلد ينتظر حكومة لا تولد منذ سبعة أشهر وهيئات دولية تنذر بشر مستطير، وتحذر من انهيار كبير، لكنك ستجد دائماً من يقول لك، إن حكومات سابقة احتاجت إلى أطول من ذلك كما حكومة لتمام سلام، وأن بلداً عاش سنتين ونصف السنة من دون رئيس للجهورية قبل انتخاب عون، قد يكون بمقدوره أن يصمد.
بين الخوف من الأسوأ والأمل بالمستقبل، يتحدث اللبنانيون عن الأول وينهضون صوب الثاني. ها هو «مهرجان لبنان الوطني للمسرح» يولد في أحلك الظروف، والأعمال تتنافس في تحفيز للمسرحيين لتكون ثمراتهم أكثر نضجاً العام المقبل. قد يبدو الأمر فاتنا أن ترى إضافة إلى المهرجان، سبع أو ثماني مسرحيات متفرقات، تعرض في وقت واحد في أنحاء العاصمة، هذا غير الحفلات الموسيقية، والافتتاحات شبه اليومية للمعارض التشكيلية. كل سنة يشكو منظمو «مهرجان الرقص المعاصر» من ضيق شديد، لكن الراقصين يحطون من أصقاع العالم منذ أربع عشرة سنة، ويستمر المشوار. مهرجانات السينما المتعاقبة لا تهدأ ولا تعترف بالفصول، تماماً كما ينمو عدد الأفلام، التي لم يكن يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة في السنة وصار يصعب عدّها، وبالنتيجة، وفي هذه الظروف الرديئة المتقهقرة، فازت نادين لبكي في «مهرجان كان» بفيلمها «كفرناحوم» بجائزة لجنة التحكيم، كما لم يحدث منذ 27 سنة يوم نالها مارون بغدادي عن فيلمه «خارج الحياة» وكانت الحرب القاتلة تشرف على الانتهاء.
تشعر وأنت تعيش في لبنان بتراجع نوعية الحياة، من صعوبة التنقل بسلاسة بسبب أزمة السير إلى الطعام الذي تشك بسماده والمياه التي سقته وتخشى الهواء الذي تتنشقه، وسط الحديث عن التلوث، وتقارير مختبرات الجامعة الأميركية، التي تعاين عن قرب واحتجاجات جمعيات المجتمع المدني التي لا تغفل أعينها عن التجاوزات ومخططات تركيب المحارق. لبنان ليس الأسوأ حالاً في المنطقة، لكن الشكوى فيه متاحة، وإعلامه يحب الإصغاء. وهذا لا يعيق في شيء أولئك الذين قرروا أن يشعلوا الساحات غناء، والقاعات تجارب في «مهرجان بيوند للموسيقى الشرقية وأنغام الجاز».
بانتظار الانفراجات التي يعرفون أنها ليست بقريبة، ألف اللبنانيون معايشة الأخطار. يعلمون أنهم لو انتظروا هدوء الحرب لما ولدت أجمل روايات إلياس خوري ونجوى بركات ورشيد الضعيف وحسن داود. ولو استسلمت فيروز للخوف لما صمدت في منزلها تحت القصف وتحولت رمزاً للوطنية الجامعة، ولو خشي رواد معرض الكتاب اجتياز معابر الموت للوصول إلى شارع الحمرا حيث كان يقام، لتوقف أكثر من خمسة عشر عاماً. ولد لبنان على فوهة بركان، وهذا ليس أمراً جميلاً ولا مريحاً. وكما تدرّب اليابانيون على مكافحة الزلازل واخترعوا لذلك أنظمة معمارية، تمرّس اللبنانيون في ترويض القلق وتشذيب أجنحة الخوف.
من ثورات الأشقياء، إلى حروب الأشقاء، وقصف الاجتياحات الإسرائيلية، إلى المعارك الصغيرة المتنقلة، والفتن الحمقاء التي تغفو دائماً تحت رماد ضيق الأفق والحسابات السلطوية الأنانية، ليس ثمة في لبنان ما يشرع فضاء الأمل سوى هؤلاء المصرّين على جعل بيروت ورشة إبداع فوّارة، في المسارح والجامعات، وبعض المقاهي والغاليريات وصالات السينما التي تستقبل المهرجانات، ودور الفن الصغيرة، والمتاحف الفردية الأنيقة المتنامية، والمكتبات الخاصة الزاخرة بما لا يخطر على بال من كنوز، ومجمعي الأعمال التشكيلية الذين يحرسون ما يستحق احتفاء خاصاً، ومنشطي الجمعيات الفنية الموزعة في كل منطقة، بمشروعاتهم الطموحة.
وكأن لبنان، لبنانان اثنان لا جسر بينهما ولا صلة، واحد للسياسة التي تختنق كيداً وكمداً، بعد أن حشرت في عنق زجاجة، وآخر للفن والحلم فيه يتنفس الناس أوكسجين الانعتاق ويتعلقون بأهداب المستقبل.

 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسرار بيروت أسرار بيروت



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon