توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«بعبع» العربية

  مصر اليوم -

«بعبع» العربية

بقلم - سوسن الأبطح

أكثر من ثلاثين سنة والمناكفات السياسية الفرنسية، تقذف باللغة العربية إلى الوراء، رغم كثرة عدد المهاجرين، وحاجتهم إلى تعلم لغتهم الأم. وزير التربية الحالي ميشال بلانكيه ليس أول من يلفت إلى ضرورة توفير تعليم جيد للعربية لمن يرغب إلى جانب لغات أخرى، فقد سبقته زميلته نجاة فالو بلقاسم وهوجمت بسبب أصولها المغاربية، وقبلهما وبإلحاح كان جاك لانغ وهو وزير للثقافة ومن ثم للتربية، من المدافعين عن الثقافة العربية ولغتها والمدركين لأهميتها.

ولا يزال الرجل يتحسر على الفرص التي ضاعت بسبب ضيق الأفق، ومحدودية الرؤية، وسيبقى يتأسف طويلاً جداً، لأن ذهنية مواطنيه لم تتغير بل تزداد عناداً.

وثمة دراسات فرنسية قديمة نصحت منذ ثمانينات القرن الماضي، ومن ثم مع تصاعد العنف في الضواحي البائسة بتدريس المهاجرين لغتهم الأم، لتربية جيل أكثر تسامحاً مع الذات وتصالحاً مع محيطه، لكن الدعوة لم تسمع. وكان هناك باستمرار لغويون يذكّرون بأن من لا يتعلم لغته الأصل لن يتقن أي لغة أخرى، ولن يجد سلامه الداخلي. وأجرى الفرنسيون تجارب في مدارس ابتدائية، في مستعمرات أفريقية سابقة بينت أن الأطفال حين يتعلمون لغتهم المحلية لسنة أو اثنتين قبل الفرنسية يجيدون اللغة الثانية بشكل أفضل وأسرع، ويظهرون ذكاء أكبر في استيعاب المعلومات. ولويس جان كالفي واحد من اللغويين الذين ينادون «بإعطاء الأولوية والحصرية للغة الأم في سنوات التدريس الأولى، لأن التعليم يعطي بعد ذلك نتائج أكثر نجاعة».

لكن السياسة لها من النزق عادة، ما يجعلها تدير ظهرها لما لا يناسب هواها. وكما فرنسا لا تزال بريطانيا تمول وتشجع تعليم الإنجليزية حتى لمن لم يتعلموا لغتهم الأولى بعد، وغالبية صناع السياسة في فرنسا، يعطون الأولوية لروح وطنية شوفينية على حساب السوية النفسية واللغوية لأبناء المهاجرين من مواطنيهم.

وسعت ألمانيا منذ تدفق المهاجرين إليها مطلع عام 2011 لتأمين تعليم العربية للأطفال الهاربين مع عائلاتهم من الثورات الجحيمية، كما الألمانية باعتبار التعليم الأولي حقاً للطفل بصرف النظر عن جنسيته. أكثر من ذلك، فهي تسعى إلى تعليم العربية إلى موظفين في الخارجية ومؤسسات وهيئات حكومية وكذلك شركات، لأن الحاجة إلى التواصل مع المنطقة العربية سينمو في المستقبل والعلاقات الاقتصادية يفترض أن تتوطد بوجود ما يقارب مليون عربي على أراضيها، وما يقارب خمسة ملايين مسلم. ولا داعي للتذكير أن أكثر من خمسين مليون مسلم صاروا مقيمين على الأراضي الأوروبية.

فرنسا تهرب إلى الأمام، وتتجاهل المشكلة بدل أن تحلها. واقتراح ميشال بلانكيه يأتي بعد تقرير أظهر أن عدد الذين يدرسون العربية في المدارس انخفض إلى العشر، ولم يعد يتجاوز 14 ألفاً، بينما زاد بالنسبة نفسها في المؤسسات الدينية ليصبح 50 ألفاً. والرغبة هي في تأمين تعليم للغة دون أن تكون قاطرة دينية أو حمّالة أفكار متطرفة، وتحت رعاية الدولة لا جهات لا يمكن معرفة توجهاتها. ومع ذلك يجد المعارضون حججاً بعضها مقنع وأكثرها غريب للقول بأنها خطوة ستتسبب في «تعريب فرنسا وأسلمة البلاد» أو أن العربية «لغة لا تفسح فرصاً للعمل ولا تنفع صاحبها في المستقبل». ووصل الأمر حد السخرية من وزير التربية لأنه وصف العربية بأنها «لغة أدب كبير وواسع»، وذهب البعض إلى اجتزاء كلامه وتوظيفه على عكس مضمونه.

وأينما ذهبت تجد أبناء الجاليات المهاجرة يتحدثون لغات أهلهم كما الأرمني والتركي والكردي، ولن تعثر على كثيرين تعلموا عربية أهلهم، وهذا قد يفسر بقاء هذه الجاليات هامشية حيث حلّت، وتشعر بالاضطهاد والدونية، ولا غرابة بعد ذلك أن يصبح شبانها عرضة لغوايات المتطرفين الذين يعدونهم بالثأر لأنفسهم والاستقواء على غيرهم بالقتل.

وهذا ليس رأياً شخصياً، ولا اجتهاداً ذاتياً، بل هو ما ينبه إليه الألسنيون الذين يعرفون قيمة اللغة الأم، وما توفره لصاحبها من طمأنينة وحوافز وثقة بالنفس.

ويباهي الفرنسيون بأن علاقتهم التعليمية بدأت مع العربية منذ القرن السادس عشر، ويتغنون بخمسة قرون من الانفتاح الأكاديمي على العالم العربي، ويتناسون أن مؤسساتهم هذه كانت دوافعها كولونيالية، ودراساتهم أبعد ما تكون عن البراءة والنفحة الإنسانية. وتعيش بلجيكا، راهناً تجربة مماثلة لجارتها، مع مقاومة يلاقيها كل صوت يدعو إلى فسح المجال أمام المهاجرين لإتقان لغتهم، لأسباب شبيهة جداً بالتي نسمعها في بلاد موليير.

وتخسر فرنسا كثيراً، حين تربط لغة مثل العربية بالدين، وتسيّس دراسات، ويخضع التعليم فيها لمناكفات الأحزاب، واستدرار الشعبوية الرخيصة. ويذكّر المناهضون للانغلاق بأن ما يقارب 800 لفظة عربية يتداولها الفرنسيون ودخلت صلب لغتهم، وأن لغة الضاد هي الثانية التي يتكلم بها الناس في يومياتهم، وأن الثقافات يفترض أن لا تدسّ بها قضايا كالإرهاب. لكن عبثاً، ثمة تيار ينمو، ليس في فرنسا وحدها، يسطّح ويبسّط حد ازدراء العلم، وتهميش العلماء، وإعلاء شأن الخطابات الرنانة، والأفكار الجاهزة، والعصبيات الضيقة، ولم يعد من صوت يعلو على المصلحة السياسية الانتهازية.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بعبع» العربية «بعبع» العربية



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon