توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سبعون البحث عن «الإنسان»

  مصر اليوم -

سبعون البحث عن «الإنسان»

بقلم - سوسن الأبطح

أصابت كبد الحقيقة أنجيلا ميركل...
هذه السيدة التي استقبلت، وهي على رأس بلادها، أكثر من مليون لاجئ دفعة واحدة، متحدية الأصوات المعارضة، الخائفة من صعوبة الاندماج، مطلقة في وجههم عبارتها الشجاعة: «بلى، نستطيع»، هي نفسها تعرف اليوم كم أن تيارها الإنساني يتضاءل ويضعف. وقبل أيام، بمناسبة الاحتفال السبعين بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اعترفت المستشارة الألمانية بأن «هذا النص البديع الذي كان له التأثير الكبير في البشر، لو أُعيد التصويت عليه في الأمم المتحدة، لما وجد أغلبية تتبناه، أو تدافع عنه، بسبب التراجع الكبير لمفهوم حقوق الإنسان».
في العاشر من سبتمبر (أيلول) عام 1948، وكانت البشرية خارجة للتوّ من حربين ماحقتين، صوّت على الإعلان العالمي 80 دولة عضواً في الأمم المتحدة وامتنعت الخمس المتبقية عن التصويت، وهي نتيجة باهرة. وصل عدد الأعضاء إلى 193، ويُخشى أن الكثير منها لم تعد مهتمة بتبني مثل هذا النص المثالي الذي ينشد ما يصعب تحقيقه، لكنه ينطوي على الكثير من الأمل والتفاؤل بإمكانية تدجين وحشية البشري وتقليم أظافره.
وإذا كانت المنطقة العربية رمزاً مؤلماً ونازفاً للحديث عن الانتهاكات والمجازر، فإن وضع أوروبا ينذر بخطر ليس بقليل. ولم يعد المحللون يُخفون أن وراء «السترات الصفراء» التي تنادي بالخبز والسقف والكرامة، يختبئ وجه قومي تعصبي، قد يفسح الطريق أمام اليمين المتطرف، ليتوَّج كأنه المخلّص، بعد إيمانويل ماكرون الذي قد يكون آخر آمال المؤمنين بالانفتاح والاندماج الحرّ.
وفي ألمانيا كما في بلجيكا والسويد، البدائل المتعصبة تلعب على أوتار غضب الشعوب وتنتظر عند أول مفترق. وتنظر مارين لوبن زعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي، بكثير من الأمل لترى تحولاً في التوازنات السياسية في البرلمان الأوروبي في مايو (أيار) القادم، خلال الانتخابات الأوروبية، مشيدةً وفرحةً بالديناميكية التي أظهرها حزبا اليمين المتطرف في الانتخابات البلدية في بلجيكا والانتخابات الإقليمية في ألمانيا.
في هذه الأجواء الملبدة بالشؤم يتحول إعلان حقوق الإنسان إلى مادة للسخرية دون أن ينتبه المستهزئون إلى أن الأمر لربما كان أسوأ بكثير لولا الجهود التي بذلها إنسانيون في هذا العالم آمنوا دائماً بأن القشة قد تسند خابية، وأن نصاً أممياً مثل الذي نتحدث عنه، حتى لو لم يكن ملزِماً لمن وافقوا عليه، إلا أنه بقي قاعدة قانونية بُني عليها، فهو أصل في وضع العديد من الاتفاقيات الدولية لمنع التمييز ضد المرأة عام 1979، وأخرى ضد التعذيب عام 84، وغيرها لحفظ حقوق الأطفال عام 90، وبناء عليه أُنشئت المحكمة الجنائية 1998.
بالطبع، لا يَعتبر العرب أنفسهم معنيين، وينظرون إلى أنفسهم كضحايا، وإلى هذه النصوص كأقنعة زيف يختبئ وراءها الوجه الشرير للغرب. وهذا قد يكون صحيحاً أحياناً، لأن من يستغلون النصوص على أنواعها أكثر ممن يرمون للاستفادة من نبلها. لكنّ الفيلم الذي أخرجته مؤخراً الفلسطينية روان الضامن، يحكي كيف أن هذا الإعلان لم يكن صنيعة الدول الكبرى المنتصرة، التي عادت واستغلته متى أرادت، وإنما نتيجة معركة خاضتها دول صغيرة وفقيرة بكل عزيمتها، معتبرة أنها تنتصر لنفسها ولمستقبلها، من خلاله.
وإذا كان دور اللبناني شارل مالك في تدبيج النص معروفاً، فقد كان إلى جانبه جيم – تشانغ من الصين. وفي فيلمها تُظهر الضامن أنها بمراجعة 200 وثيقة من محاضر الأمم المتحدة التي تعود إلى أواخر أربعينات القرن الماضي، اكتشفت كم كان دور دول من العالم الثالث كبيراً. فقد شارك في وضعه ما يقارب 250 ممثلاً عن دول أعضاء، بينهم مفكرون من بنما وكوبا وباكستان والهند وتشيلي. لكن لا يبدو في الواجهة إلا اليونور زوجة فرنكلين روزفلت، الرئيس الثاني والثلاثين لأميركا، كأنها زعيمة الفكرة، ورنيه كاسان من فرنسا وجون هنفري من كندا، الذي كان حينها مدير شعبة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وللمفارقة لم تكن كندا رغم كل جهود هنفري من بين الدول التي صوّتت على المشروع النهائي. ومَن يقرأ بأيِّ حماسة كان شارل مالك يعمل، وهو يشعر أن هذا الإعلان حاجة إلى لبنان كدولة صغيرة مسالمة هشة، وحماية لها ولدورها الذي يفوق حجمها في بناء الجسور، ونشر رسالة التسامح والتعايش، يدرك أن هذا الإعلان لم يوجد في البدء لإخضاعنا ببنوده البراقة، لكنّ ضعفنا هو الذي جعلنا بعضاً من ضحاياه، وعدم قدرتنا على توظيفه سيبقينا بعيدين عن قطف ثمره.
الصورة كانت واضحة في أذهان الشعوب بعد الحرب العالمية الثانية. كان ثمة تطلع لطيّ الصفحة المأساوية وبناء عالم يصلح للعيش دون حروب، فيما الذهنيات مشوّشة اليوم. هناك ضبابية حول كيف يمكن للإنسان أن يجد عملاً، هل باستقبال المهاجر والتعاون معه، أم بإقامة الجدران لمنعه من الانتقال؟ كيف للشعوب أن تحسّن اقتصادها، وسط موجات البطالة والشح، هل بفتح الأبواب أمام البضاعة الوافدة أم برفع الضرائب وحماية الصناعات المحلية؟ هل الوحدة بين الدول هي الخلاص أم الطلاق البائن، كما تجازف وتفعل بريطانيا؟ والأرجح أن الناس يذهبون إلى جحيمهم لأنهم يظنون أن قوانين التآخي، ولو الجزئية، هي المسؤولة عن بؤسهم، ولا يفكرون أبداً أنهم ربما لم يكونوا إنسانيين بالقدر الكافي، وأنهم مارسوا فهمهم للإعلان الشهير بما يتناسب وأنانيتهم الضيقة، لا بما يتناغم وروحه الشفافة.

 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سبعون البحث عن «الإنسان» سبعون البحث عن «الإنسان»



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon