بقلم : هبة عبدالعزيز
إن وضع المرأة فى المناطق التى تشهد صراعات فى الوطن العربى أمر خطير جداً يستدعى التوقف عنده ودراسته، حيث أصبح يزداد سوءاً يوماً تلو الآخر وبخاصة خلال العقدين الأخيرين، فالمرأة فى تلك المناطق وتحديداً فى كل من سوريا والعراق -التى تمثل أساس المجتمع بشكل عام- تتعرض للعديد من أوجه العنف سواء كان هذا العنف مرتبطاً بدائرة أو مكان الصراع فى المنطقة التى تعيش فيها، أو ذلك العنف المبنى على النوع الذى يطالها بشكل خاص، هذا بالإضافة إلى عنف الأنظمة الحاكمة أو المجموعات المتطرفة مثل داعش مثلاً، أيضاً هناك العنف الذى تواجهه النساء بعد محاولة هروبهن إلى مناطق ودول أخرى بحثاً عن الأمن والسلام.
وفى كل الأحوال فالعنف من أبشع الأشياء وهو عامل طارد، يجبر المرأة على النزوح سواء داخل حدود نفس البلد، أو خارج الحدود إلى دول أخرى مجاورة.. ولعلى هنا أتوقف كثيراً لأفكر فى أحوال الكثيرات من النساء وأتساءل: هل فى خروجهن من أوطانهن نجاة لهن من العنف؟! لا أظن.. والأمر بالفعل ليس مجرد ظن، ففى الحقيقة نجدهن ينتقلن من دائرة عنف إلى دائرة أخرى فى أغلب الأحيان بكل أسف، ففى زيارتى الأخيرة للبنان كنت قد تحدثت إلى سيدة سورية أخبرتنى بأنها قد لجأت إلى لبنان وتحديداً منذ ما يقرب من عام، وأثناء حديثنا سألتها: ما أكثر ما تعانين منه حالياً أو يقلقك يا عزيزتى؟ فقالت لى: أخاف كثيراً من المداهمات العسكرية التى تتم على المخيمات البدائية التى نسكن فيها فى شمال لبنان، فيحدث كثيراً أن تداهم السلطات اللبنانية التجمعات السكنية الخاصة بالسوريين للبحث عن مطلوبين أو مشتبه بهم، الأمر الذى يروع الجميع وبخاصة النساء والأطفال، واستكملت وهى تبكى قائلة: ناهيك عن صعوبات الحياة اليومية والعيش بشكل عام، وعدم قدرتها على دفع إيجار السكن، مما يعرضها للعنف اللفظى فى كثير من الأحيان من جانب صاحب الأرض المنصوب عليها الخيمة التى تسكن فيها، بالإضافة إلى تعرضها للاستغلال المهين أحياناً.. وقد ظلت هى تحكى وظل خيالى يرسم صوراً ومشاهد لكل كلمة ولكل إحساس شعرت وتشعر هى به.. كم هو أمر مؤلم وصعب!.
ومن العراق كانت قد حدثتنى صديقتى العراقية أثناء زيارتها الأخيرة لمصر أيضاً، حيث التقينا فى منزل السفير العراقى، وبعد العشاء دار بيننا حديث نسائى رحنا نتبادل خلاله بعض الأمور الخاصة والعديد من الأمور العامة المتعلقة بأوضاع النساء العربيات تحديداً والتحديات الكثيرة التى تواجههن، وعندما أخذنا الحديث إلى مدينتها ومسقط رأسها «الموصل» أخذ منحى حزيناً ينفطر له القلب ويستفز العقل، حيث تحمل التجربة العراقية بشكل عام الكثير من ملامح العنف الطائفى الذى لا يخجل أن يستهدف المدنيين بناء على هويتهم الطائفية والمذهبية، حيث ينتشر هناك ما يسميه العراقيون بـ«السيطرات» وهى عبارة عن حواجز أمنية تحاصر الأحياء فى الموصل، وتطالب من يدخل أو يخرج بإظهار بطاقات الهوية الخاصة بهم للتثبت من سكنهم بالحى، ومن ثم أيضاً يتم التعرف على هويتهم، وبالتالى تسهل ملاحقتهم على هذا الأساس، وشكت لى صديقتى بأن السيطرات الشيعية مثلاً تقوم بتهجير السنة من الأحياء التى تسيطر عليها بحجة حفظ النقاء المذهبى فى تلك الأحياء، ولذلك كان هذا من أهم أسباب خروج أو نزوح الأسر من تلك الأماكن، حيث يتجسد هنا الخوف على الأبناء ولاسيما الفتيات من تلك «السيطرات» التى تكشف عن هويتهن المذهبية، لتبدأ فى مضايقتهن حتى يخرجن من الحى، وبالفعل حدثت عمليات اختطاف وتعذيب أدى إلى الموت فى أحيان كثيرة، ولعل هذا النوع من العنف انتشر بشكل كبير فى بغداد، حيث العنف بالمضايقات والملاحقات والقتل والتعذيب على الهوية!.
كما حدثتنى صديقتى بأمر قد أثلج صدرى بدرجة ما فى وسط كل تلك الأوجاع، وهو قيام العديد من الأسر السنية باستبدال السكن مع العديد من الأسر الشيعية، الأمر الذى يوضح لنا أن العلاقات الطيبة مستمرة ما بين العراقيين العاديين، فى حين الصراعات مستعرة ما بين المليشيات الشيعية وبخاصة القريبة من إيران، والمليشيات السنية وبخاصة الموالية للقاعدة وداعش.
ونحن نحتسى الشاى مع باقى المدعوين فى الشرفة المطلة على النيل، أخذت صديقتى تنظر إلى السماء فوق صفحة النهر وقد زينتها بعض الألوان لصواريخ احتفالية كان قد تم إطلاقها من على مركب سياحى، فأخذت رشفة من الشاى وقالت لى: تعرفى يا هباوى -كما يروق لها أن تدعونى دائماً- هناك العديد من الأسر العراقية التى تتلقى خطابات فارغة من الكلام تحمل فقط رصاصات بعدد أفراد الأسرة المقيمة بحى ما، يتم إيداعها فى صندوق البريد الخاص بهم أو تترك على سياراتهم المصطفة خارج المنزل، وكان ذلك منتشراً بشكل واسع تحديداً فى ٢٠٠٦م، مما أجبر العراقيات إلى النزوح إلى مناطق أخرى داخل العراق، وبعدها غادرن العراق وخاصة بعد سقوط الموصل فى ٢٠١٤م وزيادة تردى الوضع الأمنى هناك.
ولحديثنا بقية..
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع