بقلم-حازم منير
هل يمكن القضاء على الفساد؟ وهل يمكن تصور مجتمع خال من الفساد؟ وهل من الممكن تحقيق محاصرته بالجهود الرسمية فقط؟ أم أن الجهود الشعبية عامل مؤثر ومطلوب لكنه فى احتياج لمن يستثيره فى مواجهة أصعب وأعقد ملف نواجهه فى مصر.
فى مصر مؤسسات تلعب دورا عظيما فى مكافحة الفساد، لدينا الرقابة الإدارية ولدينا مؤسسات وإدارات أخرى عديدة فى وزارات مختلفة مثل العدل والداخلية وغيرهما من الوزارات تشكل جميعها معا اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد وتضم وزراء وممثلين لوزارات وهيئات.
ورغم ضخامة أعداد القضايا التى تضبطها هيئة الرقابة الإدارية وباقى الهيئات والإدارات المعنية، مازال حديث الفساد فى مصر عميق ولا يتوقف ولن يتوقف، لأن الفساد فى مصر تفشى إلى درجة يُخشى معها القول: إنه – الفساد – مشكلة شعب .
الفساد ليس فقط الرشاوى المالية أوشراء الذمم أوالترويج لسلع فاسدة، إنما الفساد أصبح منهاج حياة، البحث عن واسطة لإدراج تلميذ فى مدرسة فساد، الإكرامية للموظف أوُثمن كوب شاى لتيسير عمل ما فساد، إخفاء صيدلى لبعض الأدوية يحتاجها أصدقاء أوزملاء فساد، التمييز فى تولى وظيفة حتى ومن دون مقابل فساد، نحن نمارس الفساد ليل نهار.
ربما يقول البعض: إن هذه الظواهر ليست بدرجة التأثير التى يتسبّب فيها فساد الكبار، وربما يكون ذلك صحيحاً، لكن الأصح أن منظومة الفساد متنوعة الأدوات والأشكال ومختلفة المستويات، بصورة تجعل من الحديث عن الفساد فى مصر ومواجهته لا يجوز أن تقتصر على اتهامات لجانب محدّد أولفئة بعينها، دون النظر إلى جميع جوانب المنظومة.
اعتقادى أن الحرب على الفساد فى مصر لا تقل فى صعوبتها ولا مخاطرها عن حرب الإرهاب، ولست مبالغاً فى اعتقادى هذا، كون الفساد نجح فى تكوين شبكة عنكبوتية عظيمة التعقيد والتأثير وممتدة إلى ما هوأبعد من قدرات التحليل والتوصيف.
فى ظنى أن الخطوة الأولى فى مكافحة الفساد تتطلب إصدار قانون تكافؤ الفرص ومنع التمييز فى تولى الوظائف العامة، وهوتشريع يحارب الفساد بكل صوره فى الوساطة والمحسوبية والرشوة، ويمنع التمييز الدينى أوالنوعى بالتفرقة بين الرجل والمرأة، ويؤسس لدولة الاختيار على أساس الكفاءة، ويبنى المؤسسات وفقاً لمبدأ المساواة، ويمنح فرصاً متساوية للجميع، ويرسخ مبدأ المساواة أمام القانون وفى الحقوق والواجبات وتحمل المسئولية، ولا يقتصر على تولى الوظيفة وإنما يمتد لكل مراحل العمل من بدء التعيين وحتى نهاية العلاقة الوظيفية وهوبذلك يحاصر واحدة من أكثر مظاهر الفساد انتشاراً فى مصر، ويسهم فى بناء الثقة لدى الناس ويعيد الاطمئنان لنفوسهم تجاه دولتهم، ويمنع استغلال النفوذ فى واحدة من أهم مراكز مكافحة الفساد فى مصر التى اعتاد المصريون على التعامل بها باعتبارها جزءاً من مهام الأسرة فى البحث لأبنائهم عن كيفية تلبية متطلباتهم .
ويرتبط بتشريع تكافؤ الفرص إنشاء مفوضية تقوم على التنفيذ ومراقبة الالتزام بنصوص التشريع فى مختلف المؤسسات والهيئات العامة والخاصة وهى وثيقة الصلة بالمواطنين فى تلقى الشكاوى والتحقيق فيها والتعامل مع المخالفات التى تثبت، وهى مفوضية تحارب التمييز بكل أشكاله وصوره.
حين يشعر المواطن بالثقة فى حصوله على الخدمات وبتوافر فرص عادلة متكافئة، سنخلق مناخاً للعمل والإنتاج بل المشاركة الشعبية فى مكافحة الفساد.
نقلا عن مجلة روزاليوسف
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع