بقلم - علي بدوان
الرأي السائد في «إسرائيل» هو أنَّ حركة حماس غير معنية بالانجرار لحرب، لكن سلوكها بدا «مضطرباً ومضغوطاً» على حد وصف المراجع «الإسرائيلية». فقطاع غزة يغلي لعدة أسباب، الأبرز من بينها هو الوضع الاقتصادي والإنساني الصعب فيها، إضافة إلى الإحباط السياسي الرسمي المُتزايد، وفي مثل هذا الوضع، وعلى خلفية عَجَزِ حركة حماس في أن توفّر لسكان القطاع حلولاً نهائية للمشكلات الحياتية اليومية، وخاصة المعيشية منها، تعتقد المصادر «الإسرائيلية» أنَّ أمام حركة حماس أن تسلك واحداً من السبيليْن: الهدنة أم الحرب، والصحيح أنه ولغاية اليوم كلاهما مطروحيْن على الطاولة.
خلافات وجهات النظر بين قادة الاحتلال حيال التعامل مع قطاع غزة ومشاريع إعادة إعمار القطاع، والموقف المستقبلي من سيطرة حركة حماس على القطاع، وسبل مواجهة التصعيد والحراك الفلسطيني بظل تواصل مسيرات العودة. إنَّ كلِ تلك الأمور كشفها وزير الأمن والجيش في حكومة نتانياهو أفيغدور ليبرمان، والمتمحورة حول تباين المواقف بينه وبين القيادات العليا في هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال حول «سياسة إسرائيل المرغوبة» في قطاع غزة. فالوزير أفيغدور ليبرمان، وفي خطاب ألقاه في مؤتمر المحاسبين في مدينة إيلات في الداخل المحتل عام 1948، يقول «إنَّ التحسن في الوضع الإنساني في قطاع غزة لن يُحسّن الوضع الأمني، ولن يُضعِف رعب الطائرات الورقية، ولن ويوقف أعمال الاحتجاج على السياج الأمني». وأضاف ليبرمان قائلاً «إنَّ «تحركنا الإنساني في قطاع غزة سينفذ من التزامنا كبشر وليس على افتراض أن هذا سيمنع الإرهاب، وبدون حل لمسألة أسرى الحرب والمفقودين، لن يكون هناك أي شيء».
تصريحات أفيغدور ليبرمان وجهها بالأساس إلى أعضاء الكنيست والوزراء الذين يطالبون حكومة نتانياهو بالعمل على ما أسموه «إعادة تأهيل قطاع غزة» من أجل الحد من التوتر والغليان قبل أن يحدث الانفجار الكبير الذي سيطال «إسرائيل»، بيد أن مُعظم الانتقادات التي أطلقها ليبرمان موجهة إلى التصريحات الأخيرة الصادرة عن قيادة هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال حول الحاجة إلى خطوة سياسية اقتصادية للمساعدة في التغلب على الأزمة الأمنية.
فالمراجع الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال وخلافاً مع افيغدور ليبرمان، ترى أنه من المُمكن العمل على موضوع المعابر والطعام المياه والصرف الصحي والمنشآت الصناعية، الخ. وأنَّ الفترة الحالية هي الأكثر ملاءمة للتوصل إلى تفاهمات غير مباشرة مع حركة حماس عبر القناة المصرية أو القطرية من أجل منع المزيد من التصعيد وجولات إضافية من المعارك والقتال.
ويرى آخرون في حكومة نتانياهو أنَّ «حل الوضع في غزة هو سياسة متسقة ودفاعية وهجومية يجب أن تهدف إلى وقف قدرات حماس العسكرية ووقف محاولاتها لاختراق السياج الأمني». مع «إمكانية إعادة تأهيل البنية التحتية الإنسانية إذا كان هناك طريقة لفعل ذلك دون حركة حماس ودون السلطة الوطنية الفلسطينية».
المحلل السياسي في صحيفة «معاريف» بن كاسبيت يرى أن غزة ستظل شوكة في حلق «إسرائيل» طالما ليس هناك حل سياسي يعيدها إلى الحياة، ويقول «صحيحٌ أن دمار غزة أتانا ببضع سنوات من الهدوء، لكن كل من لديه عينان في رأسه والقليل من المنطق من شأنه أن يعرف أن هذا الهدوء سينتهي، كل برميل له قاع». وعليه يعتقد الكثير من المراقبين في دولة الاحتلال والمؤسسة الأمنية و «الجيش الإسرائيلي» و «الشاباك» أنَّ حل مشاكلات القطاع الاقتصادية لابد منها كعلاج أساسي، وجميعهم يوصون ويقترحون سلسلة طويلة من المقترحات لتغير الوضع الاقتصادي في غزة، والتخفيف عن السكان، الأمر الذي يوفر للغزيين أملاً ما. وهناك مقترح الجزيرة الصناعية على سبيل المثال للوزير (يسرائيل كاتس). فيما تدعو الوزيرة السابقة (تسيبي ليفني) لإنقاذ غزة ومساعدتها وبناء محطة طاقة كهربائية ومصنعاً للصرف الصحي، بل دعا بعضهم في دولة الاحتلال للطلب من الإدارة الأميركية والرئيس دونالد ترامب تصريحاً أميركياً مفاده بأنَّ «إسرائيل خرجت من غزة وليست مسؤولة عما يدور فيها».
في هذا السياق، بَثَّ التلفزيون «الإسرائيلي» نتائج استطلاع حول رأي الجمهور في التطورات الأخيرة الحاصلة في غزة بين جيش الاحتلال وعموم فصائل المقاومة في القطاع، وأداء رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزير جيشه أفيغدور ليبرمان. وقال 60 في المئة من «الإسرائيليين» في الاستطلاع الذي أجراه معهد «مدغام»، إنه يجب التخفيف عن سكان غزة، في حين طالب 28% منهم باحتلال القطاع وإسقاط حركة حماس، بينما فضل 18 في المئة بقاء الوضع دون تغيير، و11 في المئة لم يعربوا عن رأيهم حول الموضوع. وعن دور نتانياهو، قال 42 % من «الإسرائيليين» إن رئيس الحكومة نتانياهو عمل في شكل جيد في جولة القتال الأخيرة، بينما يعتقد 28 % أنه لم يؤدِ عمله جيداً. المفاجأة كانت في رأي «الإسرائيليين» عن أداء وزير الجيش، ليبرمان، وأعرب 59 في المئة منهم عن رضاهم، فيما أعرب 28 في المئة عن سخطهم عليهم.
وخلاصة القول، حصار ومأساة قطاع غزة تلاحق حكومة نتانياهو، والطوفان الغزاوي قادم لا محالة، وهو ما يجعل صناع القرار في «إسرائيل» في حيرةٍ من أمرهم، في ظل تضارب الرؤى والمواقف حيال المعالجات المقترحة.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع