توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«فنون عصر النهضة» لثروت عكاشة: ثلاثية عربية للانفتاح على حضارة العالم

  مصر اليوم -

«فنون عصر النهضة» لثروت عكاشة ثلاثية عربية للانفتاح على حضارة العالم

بقلم - ابراهيم العريس

هل تعرفون ما هو الأمر الأغرب المتعلق بالثلاثية الضخمة التي كرّسها الكاتب والسياسي المصري الراحل ثروت عكاشة لفنون عصر النهضة الإيطالية؟ فخامة الكتب الثلاثة؟ عدد صفحاتها؟ كونها تصدر بلغة وبيئة قلما احتفلتا بذلك الحيز التاريخي الجغرافي الذي تحتفي به؟ بل حتى بكون الثلاثية فريدة من نوعها في لغة الضاد وغير معهودة؟ أو كونها تسهب في الحديث عن الكاتدرائيات والرسوم والمنحوتات الدينية المسيحية في بيئة مسلمة لم يتجاوز الاهتمام بهذه الأمور نخبتها الفنية أو الفكرية؟ أم يا ترى فخامة وندرة الصور الأيقونية التي تشغل حيزاً كبيراً من قرابة الألفي صفحة التي يتكون منها هذا العمل النادر في عالم النشر والقراءة العربي؟. الحقيقة أن كل ما سبق يمكن أن يشكل إجابات ممكنة عن السؤال الذي طرحناه أول هذا الكلام. لكنه ليس الجواب الشافي بالنسبة إلينا، وذلك بالتحديد لأن الجواب يوجد في مكان آخر تماماً، قد لا يكون مرتبطاً بكل ما ذكرناه. الجواب الذي يخطر في بالنا نحن هو أن الطبعة التي بين أيدينا من هذه الثلاثية، والتي تعود إلى العام 2011 هي الطبعة الثالثة لكتاب كانت طبعته الأولى صدرت بدءاً من أواخر سنوات الثمانين. أجل ثلاث طبعات لكتاب بالكاد كان يمكن أن نتصور طبعة واحدة له يباع منها بضع مئات من النسخ ليدخل بعدها المكتبات العامة والمتاحف- فالكتاب بأجزائه الثلاثة جدير بهذا الدخول ومن الباب العريض-، ثم يُنسى إلا من قبل الباحثين في الموضوع وهم قلة في عالمنا العربي، كما نعتقد. لكن الواقع قلب الآية تماماً وجعل للكتاب ثلاث طبعات كل واحدة منها أكثر فخامة وأناقة من الثانية، خلال عدد لا بأس به من السنين، ليجعل فنون عصر النهضة وضروب عمرانه وتاريخه والتحليل المسهب لعلاقة كل تلك الأبعاد الحضارية بالظروف السياسية التي نمت في ظلها، ماثلة في ألوف البيوت والمكتبات العربية. ترى، وبغض النظر عن تساؤلاتنا حول منطقية هذا الأمر في عالم القراءة العربية، هل ثمة من مصير مشابه لكتاب مشابه في البلدان «المتحضرة» نفسها في أوروبا أو أميركا؟

> نطرح هذا السؤال بالطبع انطلاقاً من معرفتنا أن كتباً فنية موسوعية من هذا الطراز بالكاد تعرف أسواقاً واسعة الانتشار حتى في البلدان المعنية بها بصورة مباشرة. ونكتفي هنا بهذا القدر من «المقارنة» لننتقل إلى الكتاب نفسه. ومنذ البداية لا بد من الإشارة الدالّة إلى أن «فنون عصر النهضة» لم يكن كتاباً عارضاً في مسار مؤلفه الذي، كما نعرف، كان ضابطاً في الجيش وثائراً في حركة 52 المصرية ثم سفيراً لبلاده في روما بعد مناصب ديبلوماسية أخرى في باريس وغيرها، ومن ثم وزيراً للثقافة، ومناضلاً في سبيل إدخال مصر زمن العالم وإنقاذ آثارها، ومع هذا لا تشغل الألفا صفحة من القطع الموسوعي الكبير جداً التي يتألف منها هذا العمل، سوى جزء بسيط من نتاج، يشرح فيه الكاتب ويحلل ويستعرض مسيرة الإبداع الإنساني من مسار كتابي تضم لائحته عشرات الكتب والموسوعات المؤلفة والمترجمة التي يتوجها مشروع «العين تسمع والأذن ترى» الذي يتألف من نحو عشرين مجلداً ضخماً يشرح فيها المؤلف ويحلل ويستعرض تاريخ الإبداع الإنساني بدءاً بالفنون الفرعونية والسومرية وصولاً إلى القرن العشرين مروراً بالفنون الإسلامية والهندية و... طبعاً فنون عصر النهضة في المجلدات الثلاثة التي نتحدث عنها هنا.

> طبعاً لا يمكن هذه العجالة هنا أن تقف عند تفاصيل هذا العمل الموسوعي الضخم، بل إن السرد الكتابي عاجز عن هذا أصلاً، بالنظر إلى أن الثلاثية ليست مجرد سرد تاريخي لما حدث في العصر النهضوي، بل هي تمر، فصلاً بعد فصل، وصفحة بعد صفحة، كشريط سينمائي تتضافر فيه الكلمة مع الصورة - وأحياناً مع صور كبيرة مطوية في ثنايا الكتاب-، لتقدم ذلك المشهد البانورامي الذي يحتفل بالمعماريين، ولا سيما من خلال تشريح إنجازاتهم في مجال تشييد الكاتدرائيات والقصور والمباني العامة والخاصة، كما يحتفل بالنحاتين متوقفاً عند البارزين منهم شارحاً أسرار منحوتاتهم رابطاً إياها بحركية المجتمع، خالصاً في نهاية المطاف إلى الرسامين الذين هم دائماً الأشهر والأكثر شعبية، والذين من طريق أعمالهم تمت تلك النقلة المدهشة، تحديداً خلال القرون التي يتناولها عمل ثروت عكاشة، من إنجاز اللوحات للكنائس والقصور إلى حقبة باتت فيها اللوحات أكثر دنيوية وإنسانية.

> يدرس ثروت عكاشة كل تلك الإبداعات ويتوقف عند تلك المتغيّرات، التي يعتبرها أساسية في تاريخ المجتمعات وليس فقط في تاريخ الفنون، قاسماً ثلاثيته إلى ثلاث حقب أساسية يعرّفها بالتيارات الفنية التي سادت فيها تباعاً: الرينيسانس والباروك والريكوكو. وهو في هذا الإطار لا يفوته أن يربط كل «تيار» بالظروف التاريخية والاجتماعية، وربما أحياناً السياسية، التي وُلد في ظلها. وهو ما يجعل الكتاب في الآن نفسه، نوعاً من تاريخ اجتماعي لأوروبا يتجاوز الحيز الإيطالي الذي يتناوله أساساً لنراه يعرّج على فرنسا وألمانيا والشمال الأوروبي شارحاً مستعرضاً محللاً. ولا يضير هذا السِفر هنا أن يبدو، على سبيل المثال، متناغماً، إن لم نقل شبيهاً بعملين أوروبيين يتناولان الموضوع والحقبة نفسيهما، كتاب السويسري يعقوب رينهاردت عن عصر النهضة، وكتاب جورجيو فازاري الإيطالي عن حياة رسامي النهضة. صحيح أن عكاشة يستند كثيراً إلى هذين المرجعين الأساسيين، كما يفعل كل مؤرخي الفنون والحضارات الذين يغوصون في هذا المجال، ولا سيما منذ القرن التاسع عشر، غير أن ما يميز عكاشة، ويقربه أكثر من إنجازات «مثله الأعلى» أندريه مالرو الأديب ومؤرخ الفن الفرنسي الذي كان صديقاً له كما كان، مثله وزيراً للثقافة في فرنسا الجنرال شارل ديغول في الحقبة التاريخية نفسها تقريباً، هو إطلالته الشخصية ونظرته الذاتية ككاتب عربي مسلم يعلن انفتاحه على حضارة الآخر وتفهّمه لها، من دون أن ينسى جذوره. ومن هنا تتميز نظرته إلى الحضارة الإيطالية والأوروبية في شكل عام، بتلك الأصالة الشرقية كما بتلك الموسوعية التي كثيراً ما عُهدت في الكتابة التراثية العربية. فبعد كل شيء، كان ثروت عكاشة يعرف أنه إنما يكتب لقارئه العربي، ما يصعّب مهمته ويجعلها أكثر رهافة ودقة. ولسنا في حاجة إلى الإشارة إلى أنه ربح رهانه، وما المقروئية الواسعة التي حظي بها الكتاب سوى خير دليل على هذا.

> مهما يكن، وكما أشرنا قبل سطور، لا بد من التأكيد مرة أخرى هنا، على أنه لئن كان ثروت عكاشة قد استعرض في أجزاء كتابه حياة وأعمال أصحاب تلك الأسماء الكبيرة في الفنون النهضوية رابطاً إياها بالظروف التاريخية التي أنتجت في ظلها، فإن ما نتج من هذا كله إنما هو تاريخ يحدد المؤلف صورته الإجمالية في المقدمات الوافية التي جعلها لكل جزء من الأجزاء والتي استعرض فيها الأوضاع السياسية في كل جزء من ذلك الحيز الجغرافي التاريخي، من صراع وحروب وضروب تنافس اقتصادي، غير ناسٍ العلاقات التي كانت حواضر العالم الأوروبي، والإيطالي بصورة خاصة، تقيمها مع مناطق شرق المتوسط، أي المناطق العربية، تناحراً أو تجارة أو ما بين هذا وذاك، متوقفاً عند التأثيرات والمؤثرات المتنوعة، ودائماً من منطلق وحدة الوجود الإنساني. وهو على أي حال المنطلق الذي حكم أصلاً مشروعه الضخم والذي يمكن اعتباره بعد كل شيء واحدا ًمن أكبر وأهم المشاريع الفكرية الحضارية التي أنتجها فرد عربي - بل حتى مجموعة من الأفراد أو المؤسسات العربية - في القرن العشرين وربما في الأزمان كافة. وقد يحق لنا أن ننطلق من هذا التأكيد لنتساءل اليوم وبعد سنوات من رحيل ثروت عكاشة، وخارج إطار أولئك الألوف من الأفراد الذين يقتنون كتبه ويفخرون باقتنائها وربما قراءتها، عما قدمناه نحن لهذا المفكر الكبير، ولماذا تراه مغيباً اليوم عن حياتنا الفكرية، ولا سيما التلفزيونية العربية، بدلاً من أن تحضر فيها أعماله في شكل أو آخر، تلك الأعمال التي يمكن من خلالها مقارعة أفكار التطرّف وكراهية الآخر والغياب عن العصر والغربة عن العالم.

> من المؤكد أن في الأكثر من ستين عملاً كتابياً إبداعياً أنجزها ثروت عكاشة خلال حياته، وعلى رغم مهماته السياسية والثقافية الهائلة، والصراعات والمعارك التي اضطر لخوضها في كل مهمة قام بها، في هذه الأعمال خميرة مدهشة لعشرات الأعمال الإبداعية التي يمكن أن تنطلق منها لتصب في مستقبل عربي يلوح لنا دائماً أنه قابل لذلك على رغم كل شيء... فهل من مستجيب؟

نقلا عن الحياة اللندنية

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«فنون عصر النهضة» لثروت عكاشة ثلاثية عربية للانفتاح على حضارة العالم «فنون عصر النهضة» لثروت عكاشة ثلاثية عربية للانفتاح على حضارة العالم



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon