توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«البدلةُ الزرقاءُ وسامٌ»... قالتِ الجميلةُ

  مصر اليوم -

«البدلةُ الزرقاءُ وسامٌ» قالتِ الجميلةُ

بقلم - فاطمة ناعوت

اللهُ رحيمٌ. اللهُ عادلٌ. هذا لأنه «الله». بوسعه تعالى جلَّ شأنُه، أن يكون رحيمًا وعادلاً فى آن واحد. أما نحن، بنو الإنسان ذوو القدرات المحدودة، فليس بوسعنا أن نكون رحماءَ وعادلين، فى أمر واحد، وفى نفس اللحظة. بل إننا غير قادرين حتى على تصوّر كيف تتّحد الرحمةُ مع العدل فى أمرٍ واحد. الرحمةُ تنتقِصُ من العدل. والعدلُ ينقُضُ الرحمة. خذ هذا المثال: امرأةٌ سرقت رغيفَ خبزٍ لكى تُطعِمَ صغارَها الجوعى. هنا، على القاضى أن يكون إما عادلاً فقط، أو رحيمًا فقط. إن حكمَ بالعدل، عاقبَ المرأةَ لأنها «سارقة» وإن حكمَ بالرحمة، عفا عنها لأنها «أمّ». لا احتمالَ ثالثٌ. ويُسمِّى الفلاسفةُ هذا الاحتمالَ الثالث المستحيل: «الثالث المرفوع». لأنه مرفوعٌ من قائمة الاحتمالات، أو غيرُ موجود. المُتَّهمُ إما «مُذنبٌ» وإما «برىء»، لا ثالثَ هناك. وهنا تظهرُ إشكاليةٌ عصيةٌ على الحلّ. إن كان القاضى رحيمًا وأطلق سراحَ سارقة الرغيف، عُيِّرَ المجتمعُ لأن قُضاتِه يُبرّئون اللصوص! وإن كان القاضى عادلاً وسجنها، عُيِّرَ المجتمعُ أيضًا لأن قُضاته يسجنون الأمهاتِ الفقيراتِ، ويُعرّضون أطفالَهن للتشرّد والموت جوعًا. تلك مأساةُ القُضاة. أما بالنسبة للمرأة فالأمرُ جَدٌّ مختلف. فإن أُطلِقَ سراحُها، فإنها «رحمةُ» الله قد تجلّت. وإن سُجنت فذلك «كرمُ» الله قد منحها شرفَ السجن لإطعامِها طفلاً جائعاً. هنا يكونُ السِّجنُ شرفًا، لأن التهمةَ نبيلةٌ. أما المجرمُ الحقيقى فى القضية السابقة، فهو ذلك «البليدُ» «التافهُ» الذى قدّم بلاغًا فى امرأة أخذت رغيفًا سوف يقتاتُ منه صغارٌ.

ذاك المجرمُ البليدُ موجودٌ بصورٍ شتّى فى عصور شتى ومجتمعات شتى. لكنه لا يجد أرضًا خصبة لمراهقته وتفاهته إلا فى تربةٍ رجعية مترهّلة تسبح فى الظلام خارج الزمن. ذاك البليدُ هو الذى صلَبَ الحلاجَ وقطع رأس السهروردى وحرق كتب ابن رشد وطارد أبوبكر الرازى والكندى وجاليليو وفولتير وابن عربى وطه حسين ونصر حامد أبوزيد، وقتل فرج فودة، وسرق من عمرى أنا ثلاثَ سنوات، وسجن إسلام بحيرى وسجن الشيخ محمد عبدالله نصر، وهو يتنمَّرُ الآن للدكتور يوسف زيدان.

هذا التافهُ البليدُ الذى يطاردنا بالقضايا يأكلُ كلَّ يومٍ طنًّا من الشطائر والثريد والشحوم، ويترهلُ على أرائك الكسل، ولم يُضبَط مُتلبّسًا بقراءة كتاب، ولم يُرَ غاضبًا لرؤية طفلٍ عار يرتعش بردًا أو طفلةٍ حافية تُمزّقُ الحصواتُ لحمَها وينهشُ الجوع بطنَها. لم يُسجِّلِ التاريخُ أنه رفع دعوى قضائية واحدة ضد مُتحرّشٍ بالنساء أو مُفجّرِ مسجد أو كنيسة أو مغتصِبِ طفلة، لكنه يُشاهَد حاملا تحت إبطيه دفترًا عامرًا بقضايا تافهة ضد مثقفين ومفكرين وأدباء ورهبان وشيوخ ينادون بالسلام والحب بين الناس.

لهذا لم أندهش حين هاتفتُ السيدةَ الجميلة، والدة الشيخ محمد عبدالله نصر، يومَ خروجه من السجن على ذمّة قضايا مازالت قيد الحكم، لأبارك لها فقالت لى بفخر: «بدلة السجن الزرقا اللى لبسها ابنى، وسام شرف على صدرى، بالظبط زى بدلة والده العسكرية اللى حارب بها العدوّ فى ٧٣».

يا عزيزى الشيخ إن حكم القضاةُ ببراءتك، فتلك «رحمةُ» الله، وطوبى للقُضاة ولك. وإن أدانوكَ وسجنوكَ، فذلك «كرمُ» الله وشرفٌ لك.

ويطيبُ لى أن أهديكَ مقطعًا من قصيدة «سجن»، التى كتبتُها وأنا على عتبات السجن الذى كان الُله رحيماً بألا أدخله، مثلما كان كريمًا بدخولك فيه.

«أيها السجّانون الغِلاظُ/ وفِّروا زنازينَ العتمة / لسافكى الدمِ وقاتلى الأحلامْ / وخلّوا عنى كلبشاتِ الفولاذِ التى أولى بها لصوصُ العقولِ وسارقو الأوطانْ/ …. / لو كانوا يعلمون / لوفَّروا أطنانَ الحديدِ/ وشكائرَ الأسمنتْ/ من أجلِ الفقراءِ/ يبنون لهم منازلَ وأكواخًا/ تحمى أجسادَ العرايا/ من ويلاتِ الصقيع/ لا تُشْهِروا أمامَ وجهى سيوفَكم/ فلا حاجةَ لى بها لأُنحَر/ أنا تقتلُنى كلمةٌ تخرجُ من فمٍ عبوسْ/ لا يحِبُّ النغَم».

عزيزى الشيخ محمد عبدالله نصر، أهلاً بك ضيفَ الشرف فى صالونى الشهرى السبت القادم ٢٧ يناير، بمكتبة مصر الجديدة، بإذن الله.

 

نقلا عن المصري اليوم القاهريه

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«البدلةُ الزرقاءُ وسامٌ» قالتِ الجميلةُ «البدلةُ الزرقاءُ وسامٌ» قالتِ الجميلةُ



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon