بقلم : حسن حنفي
آية قرآنية كريمة «وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ». وهو التنافس فى الخير للنفس، والمنفعة للناس. فهما لا يقتصران على الفرد بل أيضا يعمان الجماعة. وإذا كان شرط الاختيار قديما هو الأكبر سنا، والأقدم فى دخول الإسلام، والأقرأ للقرآن، فإن الاختيار حاليا يتم عن طريق الصندوق، والأغلبية فى مقابل الأقلية. وإذا كان اختيار الحاكم قديما يتم عن طريق البيعة، بيعة أولى الأمر من علماء الأمة فإن الاختيار حديثا يتم عن طريق انتخاب الشعب للأصلح طبقا لبرامج المرشحين. وإذا كان الاختيار قديما يتم عن طريق الشورى «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ». والمشاورة بين أفراد الجماعة «وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ». فإن الاختيار حاليا يتم عن طريق المنافسة بين ممثلى القوى والأحزاب السياسية لاختيار أفضلها طبقا لما هو معلن عن برامجها.
ويمكن القول إن المنافسة كانت فى بداية خلق العالم بعد أن خلق الله آدم. وطلب من إبليس أن يسجد له. ورفض إبليس لأنه مخلوق من نار بينما خلق آدم من طين. والنار أفضل من الطين. فطرده الله من الجنة عقابا له على عصيانه. وقبل إبليس العقاب. وطلب من الله أن يتركه ليثبت له بالفعل أنه خير من آدم «قَالَ أَنْظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ». فالزمن هو الذى سيحكم أيهما أفضل. والأفعال هى التى سترسل أيهما إلى الجنة وأيهما إلى النار. فالمنافسة تقوم على التحدى بين اثنين فى الزمان والتاريخ. وأفعال كل منهما هى الحكم فى الاختيار بينهما، ما يقدمه من إصلاح، وما يقضى عليه من فساد. يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. ويحقق للناس ما يتطلعون إليه من حريات فى القول والعمل منذ قيام ثورة الضباط الأحرار فى أوائل الخمسينيات بالرغم من قدرتها على الإصلاح الاجتماعى. فحدث صِدام بين الضباط الأحرار والمفكرين الأحرار، أى المعارضة السياسية، انتهى دائما بانتصار الضباط الأحرار وتحول المفكرين الأحرار إلى حركة سلفية. فكان الصراع بين قريش والجيش حتى الآن. العدالة الاجتماعية بعد أن انقلبت اشتراكية الستينيات إلى نقيضها اتسعت الهوة بين الأغنياء والفقراء، وارتفعت الأسعار إلى أربعة أضعافها لصالح كبار رجال الأعمال. وتفتت الوعى العربى ومازال يتفتت. وتحول العدو من إسرائيل إلى الإرهاب. وأصبح التعامل مع إسرائيل علنا بمعاهدات السلام أو سرا بالطرق المفتوحة اقتصاديا وسياسيا من وراء ستار.
ولكى تكون المنافسة صحيحة يتساوى المرشحون فى البداية والوسط والنهاية كما هو الحال فى حلبة السباق. فإذا كانت النتيجة معروفة منذ البداية بفوز أحد المتنافسين تسقط المنافسة. إذ كيف تعرف النتيجة مسبقا والانتخاب لم يبدأ بعد؟
وكيف تكون المنافسة صحيحة والدولة بأجهزتها، الجيش والشرطة والأمن المركزى والإعلام، يساند مرشحا واحدا؟ وفى هذه الحالة تتحول المنافسة إلى استفتاء. ويصبح الملاكم وحده فى الحلبة رافعا يديه مع الحكم معلنا الانتصار. والأيدى تصفق ولكن القلوب تحزن لمراقبة سير الانتخابات.
ولا يوجد إشراف قضائى للعملية الانتخابية منذ تدوين أوراق الانتخاب حتى فرزها. وقد تم الإعداد لذلك من قبل بإلغاء إشراف القضاء على نهاية العملية الانتخابية، وفرز الأصوات، وإعلان النتائج. وكان الشعب قد تعود على هذه الانتخابات منذ بداية ثورة يوليو 1952 حتى الآن. وكانت نتيجتها موضع سخرية من الناس حيث ينجح مرشح الدولة بنسبة 99.9%. ثم تنازل النظام عن هذه النسبة فأصبحت 99% أو 98% ولكن ليس أقل من ذلك. وتعددت الأحزاب بقرار من الرئيس بين يمين ويسار ووسط، الإخوان والإسلاميون فى اليمين، والشيوعيون والناصريون فى اليسار، وحزب الدولة فى الوسط. وخير الأمور الوسط. واستعملت الوسطية الإسلامية لتبرير الوسطية السياسية. وأخرج الإخوان من السجون الذين كانوا مازالوا يمثلون أعداء عبدالناصر لمواجهة انتفاضات اليسار فى يناير 1977 والأمن المركزى فى يناير 1986. وبأمر من السلطات راجع الإخوان موقفهم وهم فى السجون. وقدموا نقدا ذاتيا لأفكار سيد قطب عن تكفير المجتمع. وقبلوا الحلول السلمية للمشاكل الاجتماعية والسياسية. وفى إحدى الانتخابات حصلوا على ثمانية وثمانين صوتا فى البرلمان.
وبعد ثورة يناير 2011 كانت الانتخابات الوحيدة شبه الصحيحة هى التى فاز فيها أربعة مرشحين، ثم الإعادة بين أول اثنين ونجاح أحدهما بنسبة 51% بينما حصل الآخر على 49% أشبه بالدول الديمقراطية. وبعد أن حكم الإسلاميون عاما واحدا عاد الأمر إلى العسكريين طبقا للعادة.
وربما عدم وجود ممثلين للمرشحين وللأحزاب فى لجان الفرز يشكك فى صحة النتائج. ولا يكفى القول بأن مئات من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية تراقب العملية الانتخابية من البداية إلى النهاية لأن تزوير الانتخابات المستمر خلال ما يقرب من سبعين عاما أصاب الشعب بحالة من الإحباط وعدم الثقة فى هذه التمثيليات المسرحية والتى يطلب فيها منه التصفيق. ولا يؤثر الإعلام الداخلى فى نتائج الانتخابات المعلنة فيه لأنه يعلم مدى سيطرة الدولة عليها. أما الإعلام الخارجى فلا شىء يُخفى عليه. ويرصد بالأرقام عمليات التزوير. فما يهم الإعلام الداخلى هو الدفاع عن النظام. والإعلام الخارجى يطلع عليه كل الناس. ولا يستطيع أى نظام أن يحسن صورته بمجرد الكلام.
مازالت الثقافة السياسية فى غياب متنافسين متساويين فى الفرص موجها بما قاله فرعون لقومه ضد دعوة موسى للإله الواحد «مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِى».
إن موانع الثقافة السياسية الشعبية أمام المساواة بين المتنافسين كثيرة مثل السابق أقدر من اللاحق، أو أن السلف خير من الخلف، مع أن رئيس الجمهورية الفرنسية الحالى لم يسمع به أحد من قبل، وأنه من المعارضين للنظام نظرا لخبرته الطويلة. ومنها أن المناقشة تقتضى الغالب والمغلوب. يحتد كل منهما على الآخر. فى حين أنها دورة واحدة. وفى الدورة الثانية قد يصبح الغالب مغلوبا، والمغلوب غالبا. فليس «الأسد إلى الأبد». والنجاح فى المنافسة ليس ثوابا. والهزيمة ليست عقابا! إنه اختيار الشعب مصدر السلطات. وفى المثل العامى «اللى سبق أكل النبأ». وليست هناك محبة للفائز وكراهية للخاسر. فقد يكون الخاسر أكثر عدلا من الفائز كما هو الحال فى الرئيس الأمريكى الحالى. وفى معظم دساتير العالم لا يحق للرئيس أن يستمر فى السلطة أكثر من دورتين أى ثمانى سنوات وليس ثلاثين عاما، كما حدث عندنا قبل أن تندلع الثورة، وكما يحاول البعض الآن تغيير هذا الشرط فى الدستور. وقد تخلى محمد محاضر عن رئاسته للوزراء وهو فى أوج انتصاره ليترك المجال لغيره من الجيل الجديد، بعد أن أنهى ما وعد به من برنامج 2020 لتنمية ماليزيا. كما ترك سوار الذهب بالسودان السلطة طواعية ليعلم الناس أنه لا توجد علاقة أبدية بين الشخص والعرش. كما ترك ديجول الرئاسة عندما وجد أنه فى الانتخابات حصل على 50% لأنه بشخصيته التاريخية، محرر فرنسا، لا يقبل أن يحكم نصف الشعب جبرا.
نقلا عن المصري اليوم