بالمصادفة يقع هذا المقال فى اليوم العالمى للمرأة. ويبدو أن المرأة مشكلة فى كل مجتمع، تختلف باختلاف تنوع المجتمعات وتطورها. فهناك مشاكل للمرأة الأوروبية غيرها عند المرأة الأمريكية أو الأفريقية أو الآسيوية. وتختلف حدتها وخطورتها ومدى جذريتها فى الثقافة الشعبية من مجتمع إلى آخر. لذلك هناك الإعلان العالمى لحقوق المرأة مثل الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والإعلان العالمى لحقوق الشعوب.
ويتطور وضع المرأة طبقا لتطور المجتمعات. فبدأت المرأة فى المجتمعات الأولى كما يقول علماء الاجتماع بالعصر الأمومى Matriarchal عندما كانت المرأة تسعى لكسب العيش فى الخارج ويمكث الرجل فى المنزل لرعاية الأطفال، ثم تغيرت المجتمعات إلى العصر الأبوى عندما تحول الرجل إلى العمل فى الخارج، وتعنى المرأة بشؤون المنزل وتربية الأطفال فى الداخل. ثم تطورت المجتمعات عندما تساوت المرأة مع الرجل فى العمل فى الخارج والداخل معا نظرا لظروف الحياة.
ومن ثم، يكون حل وضع المرأة فى المجتمعات هو المساهمة فى تطويرها من مرحلة تاريخية إلى مرحلة تاريخية أخرى. فهذا الوضع ظاهرة اجتماعية وليس وضعا شرعيا أو أخلاقيا. ووضع المرأة فى الشريعة اليهودية غيره فى الشريعة المسيحية، غيره فى الشريعة الإسلامية، نظرا لتطور الشرائع من التوراة إلى الإنجيل إلى القرآن، من القرن الثالث عشر قبل الميلاد حين عاش موسى إلى القرن الأول الميلادى حين ظهر عيسى إلى القرن السادس حين ظهر الإسلام. وربما تكون الشرائع الوثنية أقل تطورا بالرغم من تطور مجتمعاتها لأنها خارج التاريخ وتعيش فى المطلق بصرف النظر عن الزمان والمكان.
والخطورة أن يتجذر وضع المرأة فى عصر معين فى الثقافة الشعبية ويصبح هو الوضع الشامل والوحيد لكل العصور، كما هو الحال فى الشرائع الوثنية. بل إن المرأة فى الفن هى باستمرار المرأة الأوروبية البيضاء، الشقراء الهيفاء، ملكة جمال العالم. ثم جاء الرد عليها بأن «الأسود جميل» Black is beautiful أو «الأسود ملك الألوان» لإدخال الأفارقة أو «السمار نصف الجمال» لإدخال العرب.
وإذا كانت كليوباترا بيضاء فإن الملكة حتشبسوت كانت سوداء، وشجرة الدر كانت سمراء. وفى الثقافة قد تتحول المرأة إلى مقدس لا يمكن لمسه بل رؤيته. ومن هنا أتت شعائر الحجاب والنقاب. والمقدس محرم تدنيسه لأنه «تابو» Taboo. وكلما ازداد التخفى من ناحية زادت الإباحية من ناحية أخرى كالبدوية المحجبة فى الصحراء. وبمجرد أن تركب الطائرة وتذهب إلى مجتمع آخر تخلع «العباية» فتظهر مفاتن الجسد. وتعيش فى مجتمعات العرى مثلها.
ويستعمل تعدد الزوجات كحجة للحط من شأن المرأة وجعلها متعة للرجل. مع أنها حالة شاذة فقط فى حالة عقم المرأة أو مرضها الذى يقعدها. وفى هذه الحالة لن يستطيع الرجل أن يعدل بينهما وهو شرط التعدد حتى لو حرص. وقد كان التعدد عادة طبيعية بلا حدود. يصل إلى حد العشرة. فخفضها الإسلام تدريجيا إلى أربع ثم على الفقهاء أن يأخذوا أربعة عشر قرنا بعين الاعتبار لتخفيض العدد المشروط بأربع إلى واحدة. وقد اتخذ الآن وسيلة للمتعة مادام الرزق قد اتسع كما هو الحال فى مسلسل الحاج متولى أو عند كبار رجال الأعمال من الإسلاميين وأصحاب المحلات الكبرى والمتاجر الحديثة. وهى مازالت عادة أفريقية حتى الآن قبل الإسلام وبعده عندما يبنى الرجل منزله وتحيط به أربعة منازل. لكل زوجة منزل. وهو راض والزوجات راضيات. وكل زوجة تعيل أطفالها لأن الرجل لا يستطيع إعالتهم كلهم. ولا ضير أن تأتى المرأة الأفريقية إلى القاهرة لتعمل حتى تعيل أولادها وترسل لهم النقود. ليس فقط «شغالات» بالمنازل بل ربما أعمال جانبية أخرى ليزداد الأجر. ولم يعد العصر قابلا لهذه المرحلة من التطور والوقوف عندها نظرا لأزمة الإسكان، وزيادة تكاليف المعيشة. والعقم يُعالج طبيا بعدة وسائل. وزواج «المسيار» لم يعد له ضرورة نظراً لأن السفر الآن يستغرق عدة ساعات بالطائرة وليس عدة شهور بالجمال. بل تتم المبايعات الآن إلكترونيا وعن طريق البورصة. وفى تونس لا يتم التعدد إلا أمام القاضى لينظر الحالة ويحكم فيها وليس طبقا للأهواء أو الأحوال.
أما الشهادة، شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل، فقد كانت خطوة تدريجية نحو المساواة. فقد جاءت الشريعة الإسلامية فى عصر لم يكن يُعترف بوجود المرأة أساسا، وإذا خُـبّر العربى بأن المولود بنت اسود وجهه فهو كظيم. وحفر حفرة ووأدها فيها «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ». فالمرأة نقطة ضعف فى القبيلة. تؤخذ سبية إذا هزمت فى القتال، عكس الرجل الذى يدافع عن القبيلة ويجلب لها النصر على الأعداء. فعنترة بن شداد وليس ابن زبيدة. شداد حر، وزبيدة عبدة. ومتولى يريد أن يتخلص من شقيقته كى لا تجلب العار للأسرة. ومازالت العادة حتى الآن فى ضرورة أن يتخلص الرجل من عار المرأة، وكأن الرجل لم يرتكب هذا العار. وفى الميراث، مازال الفهم الشعبى أن للرجل ضعف حظ المرأة اعتمادا على تأويل خاطئ لآية «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» التى تعنى بتحليل بعض المصلحين أن المرأة لا تأخذ بالضرورة نصف ما يأخذه الرجل. بل فى بعض الأحوال تأخذ أكثر منه. كما يفهم البعض القوامة فى «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ» أن الرجال أعلى منهن درجة، وعدم المساواة مثل «وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ». وتفسر آية «وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ» أى أن الرجل أعلى درجة من المرأة مع أن المقصود الطبقات الاجتماعية.
وزواج المرأة بوكيل وشهود وكأنها لا تستطيع أن تقوم بذلك بنفسها. وقد طرحت بعض الأفلام المصرية هذه القضية بوكيل الزور وشهود الزور مثل «شىء من الخوف»، «أفواه وأرانب» وغيرها. صحيح أن المرأة تستطيع أن تكون وكيلة نفسها ولكن فى الممارسات الشعبية لابد من وكيل وشهود. وكذلك يمكن تطليقها شفاهيا بغياب الوكيل والشهود بمجرد قول الزوج باللسان «أنت طالق». وهى تصرخ وتبكى مع أنها تستطيع أن تصر على أن تكون العصمة فى يدها. وتستطيع أن «تخلع» إذا ما قدمت للقاضى الأسباب المعقولة لذلك. وفى تونس لا يتم الطلاق إلا أمام القاضى كى يعرف أسبابه وليس مجرد لحظة انفعال أو غضب.
وقد استطاعت الثقافة الشعبية أن تتطور فى موضوع الحدود. فلم يعد أحد يمارس فى معظم المجتمعات العربية والإسلامية حد الرجم، حفر حفرة لوضع جسد المرأة فيها. ولا يبقى إلا رأسها الذى يقذفه المارة بالحجارة حتى تموت. وهو طقس يهودى ثار عليه المسيح من قبل عندما قال «من لم يكن منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر». كما أن الجلد للرجل شريعة رومانية. وقد نشأت الشريعة الإسلامية بين الشرائع اليهودية والفارسية والرومانية. والآن الشريعة هى القانون المدنى الذى يحافظ على حقوق الإنسان ومنها حق امتلاك الجسد واحترامه. والضرب والهجر والظهار ليس تشريعا بل تعبير فنى عن حالة خصام بين المحبين.
لا يكفى الاحتفال باليوم العالمى للمرأة أن تدافع عن حقوقها باللسان بل تغيير أوضاعها الاجتماعية بناء على إعادة وضع المرأة فى الثقافات الشعبية، إما بوضع نظرية جديدة فى تفسير النصوص الدينية وتعليمها وحسن معاملتها كإنسان. ومن الضرورى أيضا تجاوز قسمة المواطنين إلى ذكور وإناث فى البطاقة الشخصية أو شهادة الميلاد أو جميع الأوراق الرسمية مثل إلغاء خانة الدين: مسلم، مسيحى. ويمكن إلغاء قوانين وعادات منع الاختلاط. فالرجل ليس شيطانا رجيما يتربص بالمرأة خاصة فى المواصلات العامة ومدرجات الجامعة. وإلا فيزداد التحرش وحوادث الاغتصاب. ويمكن إعادة تفسير الروايات المنقولة فى النصوص الدينية وإعادة تفسيرها مثل خلق المرأة من ضلع الرجل، وبالتالى فهى جزء منه لأن الآية تتكلم عن النفس «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا» أى المودة والتراحم وليس الاستعلاء والاستكبار كما يفعل «سى السيد». وهناك عشرات الآيات والأحاديث التى يتساوى فيها الرجال والنساء «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا». وكذلك الحديث المشهور «أمك ثم أمك ثم أمك». وفى التاريخ عشرات من النساء اللائى أكثر حكمة من الرجل مثل امرأة فرعون التى طلبت منه أخذ الطفل (أى موسى) من النهر لتربيته. وكذلك الملكة سبأ مع سليمان. وفى تاريخنا الحديث ليس فقط جان دارك بل أيضا جميلة بوحريد وهدى شعراوى.
نقلًا عن المصري اليوم