توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يوم الدين: قسوة أقوى من الحب؟

  مصر اليوم -

يوم الدين قسوة أقوى من الحب

بقلم - تمارا الرفاعي

هناك الكثير من الأعمال الأدبية والسينمائية، وربما فى فنون أخرى، سردية تفترض أن دفء المشاعر الإنسانية وصدق العلاقات قد تطغى، لا سيما لمن هم فى الدرجات الأقل حظا، على قسوة الواقع، فيعوض كرم المشاعر عن بخل الدنيا، وتطبطب صداقة غير متوقعة على كتف أنهكته الحياة. هى مشاعر يحاول هذا النوع من الأفلام والأدب أن يصورها وكأنها زهرة ملونة تشق أكثر الترب جفافا فيكسر رأسها صخرة وتفرد الزهرة ورقاتها البرتقالية والحمراء على لون رمادى يطغى على الشاشة.

***

«يوم الدين» فيلم مصرى حصد جوائز عالمية وعلق عليه المختصون بالنقد السينمائى والفنى. وبما أننى متذوقة للفن فقط ولست ناقدة له، فعلاقتى مع فيلم مثله فيها تقدير للجانب التصويرى والجمالى، لكن فيها أيضا شعور بعدم الارتياح حاولت تجاهله أثناء محاولتى التركيز على الأفكار التى يطرحها. الحياة اليومية لمن هم الأكثر استضعافا فى المجتمع، فقراء موصومون لأسباب مختلفة، بطل الفيلم موصوم بسبب إصابته بالجذام الذى غير كثيرا من شكله حتى تخلت عنه عائلته. يبرع الفيلم فى إظهار صدق فى المشاعر التى تربط بين أشخاص يعيشون فى قاع المجتمع، وسط القمامة التى يظهرها المخرج أصلا كخلفية لعدة مشاهد.

***

أحاول فكفكة شعور بالضيق يسيطر على رغم جمال بعض المشاهد، لا سيما تلك التى تظهر هرما وقرى على ضفاف النيل دون أى ابتذال ودون تنميط مضجر غالبا ما يستخدمه المخرجون حين يصورون مصر. فى هذا النوع من السردية افتراض أن نمو صداقات فى القاع أمر مستغرب، إذ يراد عادة من القارئ أو المشاهد أن يتفاجأ بقدرة من هم مسلوبى أدنى مقومات الحياة على الحب بصدق والعطاء بكرم. الفكرة ليست جديدة فقد طرحها كبار الكتاب والمخرجين من أمثال فيكتور هوجو فى البؤساء ونجيب محفوظ فى معظم كتاباته.

***

مرحى لكتاب ومخرجين يصرون على إظهار جمال الأرواح وسط الموت البطىء، حتى يؤكدوا على أن ما يربط بين الناس هو بمثابة الوريد الذى يمدهم بالقوة فى وجه طوفان من النبذ والقسوة والظلم. جميل، لكنى ما زلت أشعر بالضيق، وكأن المطلوب أن نتقبل واقعا مأساويا وكمية مهولة من الظلم، سواء ظلم الدولة التى لا توفر العلاج والمأوى والماء النظيف فى القرن الحادى والعشرين، أو ظلم المجتمع الذى لم يتم محاسبة أفراده على التمييز ضد من هو مختلف، رغم منظومة قانونية عالمية باتت موضوعة بهدف الحد من العنصرية والتحريض المبنى على التعامل مع الاختلاف على أنه خطر أو أقل استحقاقا للكرامة.

***

أن يصر عمل فنى على إبراز جمال الروح وعمق الصداقة وصدق المحبة بين أشخاص يعيشون وسط القبح والذل شىء يستحق التقدير، لكنى أفشل فى رؤية جمال العلاقة على أنها أقوى من بشاعة الواقع، بل أجد هذه الفكرة خطرة أصلا. علقت سيدة التقيتها فى مناسبة اجتماعية أخيرا على موضوع تعويم الجنيه المصرى بقولها أن أكثر من تطاله تبعات التعويم هم المقتدرين من ذوى العادات الحياتية الثابتة والغالية. «الغلابة بيعرفوا يتصرفوا، أما نحن فنعمل إيه؟» بصراحة هالنى طرحها حتى أننى تخليت عن آداب الحديث أثناء محاولتى أن أفهم كيف قررت السيدة أن على «الغلابة» أن يقسموا الرغيف بينما لن تستطيع هى الاستغناء عن مواد مستوردة تشتريها من السوبر ماركت.

***

هذا هو تماما مصدر الشعور بعدم الارتياح الذى يصيبنى حين أشاهد أفلاما من نوع «يوم الدين»: أن أخرج منه وأنا أناقش النواحى الفنية فى تصوير الصعيد المصرى أو تلقائية أداء بطل الفيلم أو واقعية طرح المخرج لأمور كالخدمات الصحية المتوفرة. ليس ذلك ما أريد أن أناقشه ولا تعنينى الصداقات التى تربط الناس فى قاع المجتمع، إذ أننى من المؤمنين أن الصداقات والمشاعر الإنسانية الحقيقية تربط ناس ببعضهم بعضا فى جميع الطبقات الاجتماعية وذلك إن كان يستحق الاحتفاء به فهو لا يجب أن يعامل وكأنه مفاجأة.

***

ما يعنينى بعد مشاهدة فيلم «يوم الدين» هو أن يكون من المقبول عند السيدة التى التقيتها، وعند الكثيرين من أمثالها، أن هذه الحياة البائسة مكتوبة على «الغلابة» وأن عليهم أن يتكيفوا معها على أساس أنها لن تتغير، وأنهم محظوظون بصداقات تخفف من وطأة الواقع عليهم. أما بالنسبة لمن هم أكثر حظا، فهم يجدون البدائل ويشترون راحتهم. هذا المستوى من البؤس لا يمكن أن يكون مستمرا ومقبولا بل ومتوقعا فى مصر وغيرها، إذ هو ليس حكرا على مصر، لا يمكن أن يتم التعامل معه على أساس أنه واقع مفروض لا مفر منه. «الغلابة بيعرفوا يتصرفوا»، فعلا؟ وهل سألت السيدة نفسها إن كانت ستتصرف هى لو نبذها المجتمع أو لو قلت قدرتها الشرائية حتى لم تعد قادرة على إعالة أطفالها؟

***

فيلم «يوم الدين» جميل لأسباب كثيرة، لكنه قاس فى تأكيده على ضرورة أن نتفاجأ بجمال روح شخص لفظه المجتمع فتحلى بالصدق والمحبة واستمد من صداقات وجدها فى أماكن غير متوقعة قوة يواجه فيها القهر. ما بقى معى كمشاهدة هو منظر القهر، وليس جمال العلاقات، إذ أننى أؤمن بأن المحبة والصداقة نعمة يجدها كل فرد وتستحق أن يحتفى بها، لكننى أختنق مع أى محاولة لإظهار المحبة كدرع للواقع: لا يوجد فى عرفى مكان لواقع بهذه البشاعة اليوم، فكما قال بشاى فى الفيلم «هو أنا مش بنى آدم؟».

نقلًا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم الدين قسوة أقوى من الحب يوم الدين قسوة أقوى من الحب



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon