توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شاشة موتورة

  مصر اليوم -

شاشة موتورة

بقلم : تمارا الرفاعي

 تتوتر بعض العلاقات الاجتماعية وقت الأزمات السياسية بنفس القدر الذى تتوثق فيه علاقات أخرى. قديما كانت جدتى تقول «العتاب على قد المحبة»، أى أننا نسمح لأنفسنا أن نعاتب من نحب بقدر حبنا لهم، فكل ما زاد الحب زادت التوقعات، وبالتالى زاد أيضا غضبنا ممن نعتبر أنه لم يبادلنا توقعاتنا بأفعال.

أظن أن ما يزيد من توتر العلاقة هو استبدال الكثير من اللقاءات الإنسانية أو حتى المكالمات الهاتفية برسائل نصية تنتزع من المضمون النظرة، الابتسامة أو اللمسة، وتستبدلها بكلمات جافة تظهر على الشاشة ونرد عليها بسرعة دون أن نعيد القراءة. أن أرد على رسائل كثيرة فى الوقت الذى أنشغل أيضا فيه بشيء آخر. أعيد أحيانا قراءة ما أرسلت لاحقا فأعد نفسى ألا أرد مرة أخرى قبل أن أنظر فى كلماتى وأحاول تقييم أثرها على من سوف يقرأها. ثم أنسى الوعد طبعا وأعيد الكرة وهكذا.

***

من زمان، كان يقوم كبير القوم بتنظيم جلسات صلح بين من اختلف من الناس، وكانت العملية تتم وفق أعراف
وأصول. اليوم، ومع إمكانية إيصال أى رسالة على هيئة سطر، بتنا أكثر قابلية للتوتر، أو على الأقل بت أنا أكثر جاهزية لإرسال رد مقتضب وجاف، قد يراه المتلقى على أنه قاس وغير متسامح.
دعونا نتخيل أن سوء فهم قد نتج بسبب موقف ما منذ خمسين سنة، أو حتى خمسة عشر. كيف يا ترى كان سوف يتم حل الأمور؟ من الممكن أن يمتنع الشخصان عن اللقاء أو الكلام حتى تهدأ النفوس. أو من الممكن ألا تهدأ النفوس بسبب مساهمة من هم حول الشخصين فى القصة. من هنا نزيد تفاصيل ربما لم تحدث إنما استنتجناها. من هناك نجد ضرورة لإضافة الملح والفلفل كما نقول فى الشام فنزيد النار اشتعالا بقصد أو بدون. قد لا يلتقى الشخصان فعلا فتكبر الفجوة حتى يتدخل أحدهم فى محاولة لبناء جسر بينهما علهما يتفاهمان.

***
اليوم تضغط خيبات الأمل الناتجة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية على الكثيرين، فتزيد حساسية القلب تجاه المنغصين والمنغصات من الناس. جملة من عدة كلمات تضيء شاشة الهاتف أو تلعلع علنا فى الفضاء الافتراضى على مرأى من الأصدقاء المشتركين فتلتهب الجراح. اليوم من الوارد أن يتحول أى حديث افتراضى إلى شجار، إذ أن للشاشة قدرة غريبة على انتزاع الحياء. أو ربما تطورت فعلا العلاقات فى مجتمعات لطالما نظمت العلاقات فيها مجموعة من القواعد الصارمة غير المكتوبة.

يقول أبى إن منظومة ثقافية قد انهارت فى السنوات الأخيرة فتغير مع الانهيار أسلوب للحديث كان معتمدا أو كان جيله معتادا على مراعاته. لا أحب كلمة انهيار فهو تغيير مستمر وعملية ديناميكية قد يرى البعض أنها أساءت للعلاقات بينما أرى أنا أنها وضحت بعض الأمور. أزعجنى فلان؟ سوف أرسل رسالة نصية صغيرة موتورة وسريعة قبل أن أمحوه من عالمى الافتراضى.

***

أظن أن كثيرا مم كان يضع ضوابط لما يمكن أن يقال قد اختفى مع تحول الصداقات أو العلاقات إلى جمل إلكترونية تصلنا عن طريق رنة على الهاتف بدل أن تصلنا بصوت مرسلها. لكن بالمقابل، ها هى صديقة تظهر دون استئذان ودون إنذار، تمد لى يدها وتسحبنى من غرفتى الافتراضية المظلمة فأقف لثوان وأنظر إلى جملتها وكلماتها التى لا أفهمها فى بادئ الأمر، ثم أفك لغز معانيها. هى تعطينى حلولا، هى تعرض على خيارات تخرجنى من الضياع. هى صديقة لا تفرض على الصداقة، هى موجودة وموجودة حولى دون أن أشعر بضغط حضورها. خفيفة كالريشة، حنونة كظل شجرة فى يوم حار. تظهر كالشمس من خلف غيمة فيربت صوتها على همومى.

هى سمعت ندائى فظهرت، التقطت كلمات تمتمتها الليلة الماضية وأنا أقف على شرفة بيتى. كنت قد همست كلماتى فى ليل الحى الصامت، وقفت وحيدة أنظر إلى شباك بيت على الطرف الآخر من الشارع. تركت قصصى فى بيتى وحاولت قراءة قصص الجيران لكنى قصتى سرعان ما حاوطتنى وأعادتنى إليها دون مهرب.

لا مفر من عينى صديقتى حين تنظر داخل قلبى ثم تفتحه لترى ما يحزنه، تبحث فى زواياه عن تفاصيل قد أكون أخفيتها عنها فلا داعى أن أثقل عليها. وهكذا ببساطة يخرج الكلام وهى تقرأ. عجيبة صديقتى، يتهيأ لى أننى أمضى معها وقتا طويلا لكنى أعود فأكتشف أن لقاءاتنا ليست بالكثيرة خارج الشاشة.

***

يحتل الفضاء الافتراضى مساحة كبيرة من يومى ويحل محل لقاءات وأحاديث طويلة. يفرض إيقاعا سريعا ومشاحنات متوترة كما يسمح باعترافات ما زال من غير الممكن انتزاعهها وجها لوجه. سوف يختفى قريبا الهاتف الأرضى تماما وقد تشح اللقاءات أكثر فأكثر خاصة مع انتشار أعضاء مجموعات كانت متماسكة فى بلاد متباعدة. أخاف من استبدال الإنسانى بالافتراضى رغم أن كثيرا من الإنسانى قد توثق بفضل الافتراضى فى السنوات الأخيرة.

يبقى سؤالى: إن عشت يوما فى بلد هادئ، هل ستهدأ أيضا علاقاتى بالناس وتخف وتيرة الإجابات الجافة ووقع الكلمات الموتورة؟ وهل أعود للقاء الناس وجها لوجه وأرمى الهاتف الموتور بعيدا؟

نقلاً عن الشروق القاهرية

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شاشة موتورة شاشة موتورة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon