توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى بحثى عن الزمن المفقود (مع الاعتذار من مارسيل بروست)

  مصر اليوم -

فى بحثى عن الزمن المفقود مع الاعتذار من مارسيل بروست

بقلم : تمارا الرفاعي

 اعتادت صديقتى مريم أن تعد أيام شهر رمضان يوما بيوم، وتعلن كل يوم عن عدد الأيام المتبقى. اعتاد ابنى، حين يكون فى حالة انتظار حدث أو رحلة مثلا، أن يحسب عدد الليالى التى سوف ينامها قبل أن يصل إلى التاريخ المنتظر. أما جدتى، فقد كانت تحسب عملية الانتظار مستخدمة المواسم كمرجعية، فتقول مثلا فى «الربيع القادم»، أو «وقت الحج«، وهو ما كان يدهشنى كطفلة، إذ كانت جدتى تستخدم معيارا واسعا لقياس الوقت، بعكس صديقتى وابنى وغيرهم، بمن فيهم أنا، فنحن نعد الأيام والليالى بينما تعد الجدة الشهور بل المواسم. فى قصص الأطفال، هناك شخصية خيالية لمارد يخطو فوق شوارع بأكملها فى كل خطوة، فيمر فوق حيوات ناس مع كل حركة، لا تهمه التفاصيل اليومية فهو يرى ما حوله من زاوية تتسع لأحداث كبيرة.

***
أفكر فى صديقتى وابنى وجدتى، وفى طرقهم فى التعامل مع الزمن وأتساءل كيف مضت نحو خمس سنوات منذ وصولى مع عائلتى إلى القاهرة، ونحو سبع سنوات منذ آخر زيارة لى لدمشق، ونحو عشر سنوات منذ فترة عشتها فى السودان، ونحو عشرين سنة منذ فترة أمضيتها فى نيبال، بلد كنت بالكاد سمعت عنه قبل أن أصل إليه.
مخيفة هى العلاقة مع الوقت، أو بالأحرى العلاقة مع الزمن، وقد كتب عنها الكثير فى شتى المجالات، من العلمية إلى الفلسفية إلى الأدبية. وقد تكون مجموعة الكاتب الفرنسى مارسيل بروست «البحث عن الزمن المفقود» من أجمل المجموعات الأدبية على الإطلاق فى الغوص داخل النفس البشرية بحثا عن انطباعات شكلت طفولة الكاتب وشخصيات ربما تكون سقطت من ذاكرته إنما ربط تأثيرها عليه ماضيه بحاضره. الزمن المفقود مفهوم شديد القسوة، فكل زمن رحل فقد، لذا فكل لحظة تمر هى لحظة أفقدها.

***

هنا فى القاهرة، أجلس فى ركن من غرفة المعيشة أحاول أن أكمل بعضا من عملى من المنزل بعد ظهر يوم الاثنين لا شيء يميزه عن غيره. نحن فى شهر رمضان فى الساعتين الأخيرتين قبل الإفطار. أسدلت الستائر قليلا منعا لوهج الشمس الحارقة فى هذه الساعة، وجلست أفكر بعد أن أشحت بوجهى عن الشاشة وعم أكتبه. قريبا منى جلس زوجى وطفلى حول طاولة السفرة ينسقون صورا للاعبى كرة القدم. الثلاثة مشغولون بموضوع كأس العالم، أو ربما كانوا مهتمين أكثر بلعبة تجميع الصور. أو ربما يحاولون الآن، فى هذه اللحظة تحديدا ودون وعى منهم، أن يحفروا فى ذاكرتهم صورة أب يجلس ومن حوله الولدان، رءوسهم متقاربة فيما يتبادلون الحديث والمزاح. يخف وهج الشمس قليلا فأفتح الستائر تماما وأرى أشعتها تدخل فى خط مستقيم من الشباك إلى الطاولة حيث أرى أيديهم تتحرك بسرعة.

أما الصغيرة فهى تلتصق بى فى مجلسى، تمسك بيدها لعبة هى الأخرى وتحاول جلب اهتمام أبيها، تريد أن تكون فى الصورة دون أن تتحرك من قربى. أظن أن بإمكانى أن أغلق عينى وأعود فأسمع حماس الأطفال وضحك زوجى وضوضاء الشارع ذات بعد ظهر فى القاهرة فى منتصف شهر رمضان. ها أنا أقيس الزمن كما كانت تفعل جدتى، بالموسم وليس باليوم.

***

أعترف أننى أحب مراقبة أثر الزمن على الناس، أحب جدا الخطوط التى ترتسم حول النظرة فتضفى عليها عمقا يعكس تجارب السنين. أحب أن ألاحظ بعض الهدوء الذى يدخل على أى شخص فى مرحلة عمرية تسمح له أن يتأنى بردود الفعل. أحب جدا ملامح أراها على وجوه أشخاص مروا بتجارب كثيرة اكتسب معها وجههم علامات هى أشبه إلى الرضى أو قد تكون أشبه بالقبول بأن بعض الأمور حدثت لأسباب خفية لا داعى الآن إلى إعادة تفكيكها، هى حدثت وأصبحت وراءهم.

***

أعترف أيضا أننى أخاف من الزمن وأخاف من جلوسى فى الركن ذاته لكن دون الأب والأطفال. أشعر اليوم أننى آلة تسجيل كالتى تعودت فى صغرى أن أنسخ عليها أغانى يبثها الراديو بغية أن أستمع إليها لاحقا. فى الحالتين، أسجل لحظة حية وأعيد بثها بعد أن ترحل. سوف أعيد بث أصواتهم وهم يتشاجرون على أحقية كل منهم فى الحصول على صورة لاعبهم المفضل. سول أعيد الشريط لأسمع ما قالته الطفلة فى تلك اللحظة، إذ إنها فى بداية قدرتها على تركيب الجمل وأنا أضحك للكثير مما تحاول أن تقوله.

***

أنا اليوم أعد أيضا أيام رمضان التى ذهبت والتى ما زالت أمامى. أحسب الباقى من الزمن قبل أجازة الصيف بالأسابيع حتى أننى أحسب بعدى عن أجازة الصيف الماضية. ياااه، هل مضى عام على تلك الأيام التى قضيتها مع عائلتى بعيدا عن العمل والمدرسة والروتين اليومي؟ الأطفال كبروا عاما وأنا كذلك. أحسب عدد السنوات التى ما زالت أمامنا كعائلة تعيش كلها فى مكان واحد، قبل أن يذهب أطفالى إلى حيواتهم الخاصة بهم، وأجلس أنا هنا، فى المكان ذاته، أسترجع لعبهم مع أبيهم قبل مباريات كأس العالم فى شهر رمضان من عام 2018، وأبحث أنا أيضا عن الزمن المفقود.

نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى بحثى عن الزمن المفقود مع الاعتذار من مارسيل بروست فى بحثى عن الزمن المفقود مع الاعتذار من مارسيل بروست



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon