بقلم: جيهان فوزى
«الهيبة».. اسم له وقعه، وصفة لها جلالها، ومعنى يحمل الكثير من الدلالات، اقترنت بـ«جبل»، شيخ الجبل، تاجر السلاح والمخدرات المحبوب من أهل «ضيعته» الواقعة على الحدود بين سوريا ولبنان، فيه كل صفات القائد المغوار الشجاع الذى لا يهاب الموت، يحكم بالعدل والرحمة، ويرعى أهل بلدته، ويساهم فى حل مشاكلهم التى غفلت عنها دولة القانون، فصنع قانونه الخاص. «جبل شيخ الجبل» شخصية حقيقية، ومسلسل «الهيبة» استوحى أحداثه من واقع هذه الشخصية، جبل هو «نوح زعيتر» اللبنانى الذى يعيش فى قرية صغيرة شرق لبنان فى منطقة البقاع، مطلوب للعدالة بمئات الجرائم، ويؤكد أنه لم يكن لديه خيار، بل فرضت الأمر الظروف، يعتنى بأهل بلدته ويؤمّن لهم الخبز والمياه بما أن الدولة عاجزة عن القيام بذلك. ومع أنه مطلوب للعدالة محلياً ومن الإنتربول فإنه لا يخشى الدولة وقوانينها، فهو مؤمن بالمقولة التى يرددها بسخرية: «أنا لا أخشى أحداً سوى الله، التجارة بحشيشة الكيف جريمة، لكن إبقاء المواطنين جياعاً ليس جريمة! فى هذه الحالة سأبقى بكل فخر أكبر المجرمين».
على مدار ثلاثة أجزاء شكّل مسلسل «الهيبة»، الذى يقوم ببطولته الفنان السورى «تيم حسن» ويجسد شخصية «جبل» شيخ الجبل، حالة وجدانية ملتبسة، فأحبه الناس، عوامل كثيرة منحت مسلسل الهيبة الزخم لمتابعته، فهى تمثل عالمه الخاص الذى ينقل المشاهد إلى واقع يمكن إسقاطه على بيئة لبنانية كل ما يجرى فيها وكأنه من كوكب آخر؟!. واقع بلدة صغيرة بعيدة عن رعاية الدولة ورقابتها، تربة خصبة للتهريب والتجارة غير المشروعة يصعب الاقتراب منها كأنها ثكنة عسكرية محظورة، لكن شخصية «جبل» أسرت المشاهدين لما تحمل من مقومات الشهامة والشجاعة. ورغم أنه فى نظر القانون مجرم ومطلوب للعدالة فى قضايا خطيرة، فإننا لا نملك إلا الإعجاب به وبصفاته التى لا يراها القانون لكن يشعر بها المظلومون. جسّد «تيم حسن» شخصية «جبل» باقتدار، وجذب المشاهد إلى شخصيته لأنها شخصية مركبة، من يتابعها يشعر بأنه يكتمل بها وأنها جزء منه، تسبح فى خلاياه وتغوص فى أفكاره لتخرج كوامن النفس التى غلبها القهر والغضب والظلم، مساحات الخير داخله غلبت على بواطن الشر الذى يُظهره، دراما ترسم الواقع العربى بشجونه وانتكاساته وآلامه، يبزغ منها شعاع النور الذى يحمى حلمه متجسداً فى «جبل» الخارج على القانون.
أدار «تيم حسن» موهبته بذكاء، لم يعتمد على وسامته أو جاذبيته، لكنه عاش شخصية جبل بكل مفرداتها وتعقيداتها، فلم نشعر بأنه يؤدى دوراً أوكل إليه، بل تقمص الشخصية وعاشها وصدّقها، هو الذى ينتمى لأهله ويعشق والدته المتماسكة كالجبل، القاسية كالصخر، الحانية كزهرة الحنون، لا يرفض لها طلباً مهما كانت قسوته وإن كان ضد رغبته، لكنها الطاعة العمياء لرضا ربة العائلة وبركتها، التى جسّدت دورها الفنانة القديرة «منى واصف»، فأضفت على العمل جمالاً وبهاء وقوة تأثير، بحرصها الشديد على تماسك العائلة وتناغمها وقدسيتها رغم الأزمات والمحن التى تمر بها. تقمص «تيم حسن» الدور بامتياز فصدقناه، نقل الصورة الأخرى لعالم المنسيين الذين أهملتهم دولة القانون، فصاغوا قانونهم وفرضوا قواعده من رحم الأرض التى تحتضن مآسيهم ومشاكلهم، فتعاطفت معه الإعلامية «نور رحمة» (سيرين عبدالنور) ووقعت فى غرامه، لتجد نفسها من أشد المدافعين عنه، سيرين عبدالنور فنانة موهوبة توظف موهبتها بسلاسة دون ابتذال، أزاحت هالة الخوف التى أحاطت بجبل لتكشف عن الإنسان الذى بداخله والطفل الذى حُرم من طفولته، وأمنيته التى يتمنى تحقيقها لو كان حراً طليقاً إكراماً لوالدته.
«مسلسل الهيبة» فى جزئه الثالث «الحصاد» يأخذنا إلى العالم الخفى فى بقعة أرض منسية، يفك طلاسم الصراع والسيطرة على السلطة ويكشف خفايا الفساد والرشوة المنتشرة من رأس السلطة إلى أسفلها، خليط من التناقضات نعيش ظروفها ونتعاطف معها، هى انعكاس لواقعنا مع اختلاف التفاصيل، لكن يظل المضمون محاصراً فينا، نكتمل به ويملأ فراغاتنا دون أن نعرف كيف، لكننا نعرف لماذا نرميها على الله.